إمتدت أيادي كمال الدين البيضاء وهو يسعى للتنميه والتطوير لمجال لم يسبقه عليه أي سوداني في أي عهد من العهود وذلك عندما قام ببناء سوق النوراب كاملاً على نفقته الشخصيه وكان يدعو أبناء النوراب والتجار من القرى المجاوره لممارسة التجاره في سوق النوراب لتعميره ويشجعهم بمنحهم المباني مجاناً. وكان قد إستقطب مجموعه من المزارعين لعرض إنتاجهم من الخضروات يومياً في سوق النوراب بدلاً من السوق الإسبوعي وكان يزور السوق بنفسه بعد صلاة العصر ليشتري مالم يباع من الخضرجيه ويوزعه على الداخليات والفقراء تشجيعاً لبائعي الخضر وحتى يضمن عودتهم للسوق في اليوم التالي. لقد تطور سوق النوراب اليوم وقد تجاوزت المحلات التجاريه المائه ويتوفر في سوق النوراب كل مايتوفر في المدن الكبرى. كان كمال الدين يحلم بأن تكون هذه القريه الصغيره البسيطه مدينة متكامله فأنشا فيها وفي قلب السوق أكبر (مزيره) عرفتها البلاد سعتها 60 (زير) موصله بشبكه مع بعضا البعض وفي نهايتها صهريج للماء وعوامه وفي مقدمتها مواسير للشرب وكانت مغطاه بالإكسبندة بحيث لايدخلها إنسان ولاحيوان تقدم مياها صحية نظيفه بارده كل الوقت على مدار العام. كما أنشأ متحفاً يعرض فيه تراث المنطقه. وقام بإستجلاب بص لنقل المواطنين من النوراب لشندي والعكس وتسهيل حركتهم للمناسبات الإجتماعيه داخل المنطقه وقد سمي البص (العظمه) وقد كانت المواصلات في غايه الصعوبه في ذلك الزمان إذ يوجد بالمنطقه كلها بص (النقر) وبص ( الأمين ودالأفندي) وكانت حركتها إسبوعيه ترتبط بأسواق المنطقه. وكنوع من التربيه للمواطنين فقد حدد كمال الدين ساعه معينه لحركة البص من النوراب وساعه معينه لحركته من بنطون شندي المتمه راجعاً النوراب وكانت مواعيده غايه في الإنضباط كمواعيد قاطرات السكه حديد على تلك الايام الخالده والتي كان الإنضباط فيها يسود كل انحاء السودان وكل مرافقه. وقد زين البص من الداخل بعبارات عظيمه للإسهام في ترسيخ القيم الفاضله مثل (من كان في حاجة الناس كان الله في حاجته) (إعملو فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) وقد بلغ إعجاب الناس بالعظمه أن تغنوا لها:- العظمه يابص الكمال *** فاقت العربات في الجمال وغنى لها فنان المنطقه والشقالوه (ودالنزيهه) ثم من بعده الفنان الكبير (علي إبراهيم اللحو):- ياغزليه ياغزليه .. ركوب العظمه في الغربية.. أزور سلمان جنا العوضية ولك أن تقارن بين ما كتبه كمال الدين من عبارات تربويه في ستينات القرن الماضي ومايكتب اليوم من عبارات وغناء هابط على وسائل المواصلات هبط بالذوق العام. واصل كمال الدين رحلته النضاليه التنمويه فزار العديد من الدول الأوربيه وكان كلما عاد من رحله من رحلاته هذه يجمع الشباب في النادي وفي المسجد وفي بيوت المناسبات ويحدثهم عن النهضه الكبيره التي تشهدها أوروبا و كيف لعب الشباب دوراً أساسياً في هذه التنميه بالعلم والمعرفه والمثابره. وقد كان من أكثر المعجبين بالتجربة اليابانية والتي أعادت بناء اليابان بعد الدمار الذي أحدثته الحرب العالميه وبعد قنبلة هورشيما التاريخية والتي تقف شاهداً على مدى إستبداد الولاياتالمتحدة وصلفها منذ ذلك التاريخ القديم وكان من أول الذين تحدثوا عن أن اليابان ستسود العلم قريباً وعاش وعشنا صدق نبؤته. وفي إحدى رحلاته عاد وقد اثره الربط الشديد بين المدن والريف في أوروبا بالطرق المعبده والجسور الأمر الذي سهل حركة أهل الريف ومكنهم من تسويق منتجاتهم بأعلى الأسعار في المدن وأدى إلى تطوير حياتهم وبقائهم يعمرون الريف بالزراعه والصناعات الصغيره وهو النموذج الذي كرس كل عمره لإنفاذه في النوراب حتى تكون مثلاً يحتذى به في بقية أنحاء السودان. عاد كمال الدين ونادى بضرورة قيام كبري شندي المتمه ليربط الضفتين الشرقيه والغربيه كما نادى بطريق الفاضلاب (غرب عطبره) وأمدرمان وكون لهذا الغرض لجان كان أكبر معاونيه فيها:- الشيخ عبدالحي الحاج جابر-الشيخ صديق الخليفة-الأستاذ علي محمد جاد الرب-السيد صالح أبو القاسم -السيد عبدالوهاب السعيد-السيد الجاك الطيب عمر .والثلاثه الأوائل كانو من كبار أهل البلد واعيانها والاخرين كانو زينة شباب المنطقه. وقد سخر عربته (الاندروفر) والتي لم تكن تتوفر في ذلك الزمان لغيره في كل القرى سخرها للطواف علي كل القرى والإجتماع بأهلها لإقناعهم بأهمية المشروع وضرورة مشاركتهم فيه وكان يقترح ان تقوم كل قريه وبالأدوات المحليه من (قفف- كواريق- طواري) بعمل الردميات من قريتهم للقريه التي تليها وهكذا حتى تكتمل كل الردميات الترابيه والخرصانيه ويكون الشارع جاهزاً للتعبيد والذي تتولاه الحكومه وقد كانت كلفة الشارع الكليه (مليون جنيه سوداني بالقديم) وهو مبلغ خرافي في ذلك الزمان وقام كمال الدين بفتح حساب ببنك (باركليز دي.سي.أو) فرع شندي وأودع فيه تبرعاً شخصياً مبدئياً عنه وعن أسرته مبلغ عشره ألف جنيه, وهو مبلغ كبير بمقاييس زمانه ولو كان كمال الدين يفكر في نفسه فإن هذا المبلغ كان كافياً ليشتري به أكثر من عشرين منزلاً فاخراً بأرقى أحياء الخرطوم. ظل الراحل المقيم يجوب القرى والفرقان ويلتقي بالقيادات الحكوميه على كافة المستويات المحليه والإتحاديه منادياً بالشارع والكبري .. وهو على هذه الحال داهمه المرض وحبس للإستشفاء في مستشفى (الحياه) في الخرطوم بحري حيث لاقى ربه راضياً مرضياً في اليوم التاسع عشر من شهر ديسمبر 1980م ونقل جثمانه الطاهر وقبر بمقابر جده الشيخ سلمان ودالعوضيه (رضي الله عنه) في مقبره عاديه مثله مثل سائر المواطنين لم تبنى ولم تزين ولم يكتب عليها. وهكذا عاش كمال الدين ناكراً لذاته ومات كذلك فقد شيد كل منشأت النوراب ولم يكتب إسمه على واحده منها وكان يعيش كما يعيش أهله البسطاء يلبس مثلهم ويأكل معهم ويتنقل معهم لم تميزه عليهم الثروه الطائله التي جمعها في حياته والشهره الكبير التي حققها بكسبه ومات كذلك وقبر كما يقبر الفقراء. اللهم ياالله يامالك الملك ياذا الجلال والإكرام إننا لا نزكي كمال الدين عليك ولكننا نشهد وأنت خير الشاهدين إنه كان متمسكاً بدينه القويم عاملاً له وكان يسعى كل وقته في حاجات الناس وإسعادهم وتعليمهم وتطويرهم ... اللهم يالله ان كمال الدين قد بنى مجد أهله النوراب وساهم ببنائه هذا في التطور الهائل الذي شهدته محليتي شندي والمتمه على مستوي البنيات والبشر ... اللهم يالله نسألك أن تبني له ولأبنائه قصوراً في جنات الخلد وأن تجعله و أسرته كلها في رفقة نبيك المعظم نبي الرحمه محمد صلوات الله وسلامه عليه. اللهم يالله إن كمال الدين كان رجلاً رسالياً نذر نفسه للناس ولرسالته السامية النبيله فأكرمه بأن تجعله مع أصحاب الرسالات من أنبيائك المعظمين. وأختم قولي بأن أدعو الحكومه رئيساً وولاة ووزراء بأن يطلعوا على تجربة هذا الرجل العظيم ورصدها ونشرها وتخليدها كما ادعوهم بجبر الضرر الذي لحق بأسرته من أبناء وبنات وأحفاد فقد جار الزمان على الصناعه خاصة صناعة النسيج عندما حلت الملبوسات الجاهزه محل المنسوجات وحل الإستيراد محل الإنتاج المحلى فبارت صناعة النسيج وأصبحت مصانع كمال الدين تقف شاهقه في النوراب توأماً لإهرامات البجراويه تحكي عن مجد وعظمة الأباء ... ولكنها للأسف بلا قيمه ماديه لأبنائه وأحفاده ... فلو أن الرجل أقامها في العاصمه القوميه كما كان ينصحه المسؤلين والأهل المقربين لكانت قيمتها اليوم عشرات المئات من المليارات ... ياسيادة الرئيس عرفناك بالعدل وإنصاف المظلوم فأنصف آل كمال الدين الذين ظلمهم إخلاصهم لأهلهم وولائهم لمنطقتهم اللهم إني قد بلغت .. اللهم فأشهد.