كانت إحدى مفاجآت المؤتمر العام لحزب الأمة القومي القيادة الجماعية هي الإطاحة والترفيع معاً للأمين العام السابق د. الامين عبد القادر، الذي كما يرى البعض يحتفظ بكرسي الأمانة العامة، غير أنه برغم الإطاحة جاء ترفيعه وتعيينه نائباً لرئيس الحزب، برغم تحفظّه حول حزبه الأم الأمة القومي. إلّا أننا استطعنا أن ننتزع منه بعض الإفادات حول الملفات التاريخية، التي تحدّث عنها بهدوء وشفافية، كما كشف عن علاقة حزبه بالمؤتمر الوطني، وأسباب خروجه عن حزب الامة القومي، وكيف أنقذ د. حسن الترابي رئيس حزب المؤتمر الشعبي من طلاب الأنصار، وكيف تّم تهريبه من ميدان الخليفة.. د. الأمين مؤتمركم العام أتى مرةً أخرى بالصادق الهادي رئيساً للحزب، ألا يتعارض ذلك مع دعوتكم لتجديد الدماء وتغيير الوجوه؟ - د. الصادق الهادي تم اختياره من قبل الحزب ليكون رئيساً للفترة الانتقالية، وقد أدار الحزب بفاعلية أعطته الفرصة ليتم تجديد اختياره للمرة الثانية، لكن رئيس الجلسة طلب منهم مرشحاً آخر ولم يتقدم أحد وفاز بإجماع المؤتمرين، وهذا حق اكتسبه عبر المؤتمر العام. يقال إنه بعد أن تمت الاطاحة بكم من منصب الأمين العام وصعود الهادي الدويحي، تم ترفيعك لمنصب نائب رئيس من باب المجاملة والترضية، ما تعليقك؟ - هذا سؤال «سخيف» وأنا أرفضه، وكل من حضر المؤتمر يعلم تماماً أننا اخترنا أن نحسم الأمر بالتراضي، وقد استفدنا من تجربة الآخرين وظهور الخلافات أثناء انعقاد مؤتمراتهم، والشخص المرشح معي لمنصب الأمين العام أنا أثق به ثقة كاملة وقد عمل من قبل مسؤولاً لشؤون الولايات تحت رئاستي للامانة العامة، أما الترفيع فهو حق طبيعي لما تم تقديمه من عمل آخره المؤتمر العام الناجح، ولم نتعود في الحزب على المجاملات، بل كل الذي حدث هو ما تعوّدنا عليه من عمل في كيان الأنصار وحزب الأمة منذ نعومة أظافرنا. لكن يقال إن هناك مجموعة تمثل أكثر من 60 أو 70 عضواً قاموا بترفيع وانتخاب الدويحي للمنصب؟ - نثق تماماً بعضويتنا التي أردنا أن نحافظ عليها بالطريقة التي تكمل ولا نشك ابداً في تقديراتها، لذلك أردنا أن نحافظ عليها من بعض الأصوات النشاز التي «سمعناها»، وقد تكون مدفوعة من بعض الجهات التي لا تريد تقدماً لهذا الحزب، وأجهزتنا ظلّت ترصد كلّ ذلك وتضع له العلاج المناسب في الزمان المناسب. هذه الاصوات النشار مرفوعة من جهات من هي تلك الجهات؟ - أحتفظ بالتسمية للزمان والمكان المناسبين. يقال إنكم حزب مجموعة خرجت من حزب الأمة القومي للبحث عن المشاركة في السلطة والمناصب، ولذلك خرجتم مع مبارك الفاضل، وخرجتم عنه للحفاظ على شراكة المؤتمر الوطني؟ - أولاً ظهور الحزب بهذه الطريقة القوية دلالة على خبرات سياسية متراكمة في إداراته، وأنا شخصياً عملي السياسي منذ أن كنت رئيساً للحزب في خور طقت، وأدرت العمل في 86 في مدينة الأُبيض، وعملت أميناً عاماً للحزب في جامعة الخرطوم وأدرت اللجان المتخصصة، ومن أهمها رئاستي للجنة العليا لاستقبال السيد الصادق المهدي بعد توقيع «نداء الوطن» والعودة في عملية «تفلحون»، وكل هذه الخبرات جعلتنا نتصل بقواعدنا في كل ربوع السودان لنقود عملاً تنظيمياً قوياً يستطيع أن يكون له دور فعال في السياسة السودانية، ويفند ادعاءات أننا حزب يبحث عن السلطة والسعي لكسب ود المؤتمر الوطني. لكن يظل الاتهام قائماً خروجكم عن الأمة القومي ثم الانشقاقات بعد ذلك، كان نتيجة المطامع الشخصية في المناصب؟ - كل من يتحدث عن الانشقاقات بأنها جاءت لمصلحة شخصية فهؤلاء لم يعرفوا حزب الأمة القومي، ولم يشاركونا في المعارضة والإصلاح والتجديد، وهؤلاء لا يفهمون القضية الأساسية للانشقاقات. ما هي القضية إذن؟ - القضية قضية وجود سياسي قوي ليس الهدف منه تكسير حزب الامة، بل نحن نريد أن نشعر حزب الامة بقوتنا ومقدرتنا على المحافظة على جماهيرنا، ونجبره مرغماً أن يمد أياديه لنا والاعتراف بنا وبقياداتنا الأصيلة في قيادة الأنصار. طرحتم مبادرة لاتحاد أحزاب الأمة، إلّا أن حزب الأمة القومي ظل متحفظاً تجاهكم لشراكة حزب المؤتمر الوطني.. ما تعليقك؟ - نحن على استعداد أن نتفاوض مع حزب الأمة القومي وفقاً لشروط مصلحة الكيان ومشاركة الجميع في مفاصل الحزب وإدارته بالثقل الجماهيري.. أما تهمة التعاون مع المؤتمر الوطني فهي مردود عليها من أجل التحول الديموقراطي، ونبذ العنف والاتجاه نحو دولة الانتخاب. تتحدث عن «شروط» للجلوس مع القومي؟ - نعم نجلس بشروطنا، وهي أن يتحرك كوادر أبناء الأنصار للقيادة العليا، ونفي ظاهرة تمترس القيادة في آل الإمام المهدي، ونطلب من حزب الامة القومي أن يحذو حذونا ويقدم أبناء الانصار ولايحظر الكوادر الفاعلة. ألا يمثل كلٌّ من الفريق صديق اسماعيل وفضل الله برمة ناصر نائبا الإمام الصادق المهدي قيادات أنصارية عليا؟ - هذه ظاهرة حميدة، كل من الفريق صديق وفضل الله ناصر برمة قيادات أنصارية، وذلك لا يعني أننا نستغرب على أسرة الامام المهدي القيادة، فهي أسرة سياسية. مبارك الفاضل قاد تياركم الإصلاحي، وعندما غادر «القصر» لم تتبعوه؟ - مبارك لم يخرج عن الشراكة السياسية، مبارك خرج عن الشراكة الوظيفية، وبقينا نحن بذات الأسس التي أردناها للشراكة السياسية ونبذ العنف والحرب، وشراكتنا ليست الشراكة المقيدة، خاصة وأن رئيسنا خارج نظام الدولة وقد ترك «شعرة معاوية» من اجل إثراء الشراكة الوطنية، وكل أحزاب الأمة الموجودة في الساحة حالياً مرجعيتها مؤتمر سوبا عدا القيادة الجماعية الذي اضاف تعديلاته على النظام الاساسي وبالتالي إذن النظام الذي تركه مبارك معمول به حتى الآن، من أجل التحول الديموقراطي والحل السلمي بدلاً عن العنف داخل أحزاب الأمة. لكن هناك حديث بأنه قد كان لكم تنسيق خلف الستار مع الحكومة عند خروج مبارك الفاضل؟ - العمل كان على المكشوف وبدأت القيادة الجماعية بأداء مجموعة من القيادات القسم بمكتب د. الصادق الهادي بالاستمرار في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه مع الحكومة، خاصةً بعد التأكد من عدم وجود جدوى للانسحاب. برأيك هل من الممكن أن تتوحد أحزاب الامة في حزب واحد؟ - نحن قمنا بمبادرة الوحدة الإندماجية مع الفدرالي وقد شابتها بعض النواقص التي أدت لانفضاضها، وقد تأكد لحزب الامة الفدرالي صحة ما قدمنا له، وكذلك الحال مع إخوتنا الذين كونوا حزب الامة المتّحد، ولكن هذا لا يمنع العمل من أجل وحدة الكيان. وبالنسبة لحزب الأمة القومي؟ - لا أستبعد الوحدة، كما نأمل أن تتوحد أحزاب الاتحادي والحركة الإسلامية حتى يسهل الحوار والتفاكر والائتلاف فيما يتعلق بالقضايا الوطنية. إن حدثت الوحدة هل تقبلون برئاسة الصادق المهدي للحزب؟ - الصادق المهدي كرقم سياسي نعترف به كما يعترف به كل العالم . إن اعترف بامكانياتنا «إذا هو اعترف بها نحن معترفين به». عندما جاء انقلاب 89 كنت على رأس قطاع الطلاب ما هي المهمة التي أوكلت لك شخصياً؟ - كنا على علم مسبق بالانقلاب منذ يوم الاربعاء 29 يونيو ولذلك تواصينا أن نلتقي مبكرين ونتجه نحو دار حزب الامة، وفعلاً في حوالي الساعة التاسعة والنصف كنا قد جلسنا مع 10 من القيادات، وقمنا بطباعة البيان الأول، وتفاكرنا حول معارضة النظام، والذي حتى تلك اللحظة كنا نعتقد أنه «بعثي- يساري»، وتحركنا نحو الدار، شهدنا استشهاد أول ضابط من أبنائنا، وهو الشهيد أحمد قاسم الذي سقط بالرصاص بالقرب من سور السلاح الطبي، بعد ذلك أعطيت الطلاب التعليمات بالتحرك، ولم نكن نستبعد الاصطدام معه كنا نتجه للدار لأخذ مستنداتنا السرية التي يمكن أن تدل النظام على قياداتنا، وفعلاً أخذنا ما أخذنا، وحرقنا بعضها عندما اقتربت المداهمة من الدار، كان ذلك في العاشرة صباحاً من صباح 30 يونيو، وعند الواحدة والنصف ظهراً وصلت أول دبابة إلى دار حزب الأمة، وبعد صلاة الجمعة تم الاستيلاء على دار الحزب، بعد ذلك كنا مشغولين بالاطمئنان على قياداتنا حتى وصلتنا المعلومات بأن قيادات الأنصار بخير. الإمام كان يستعد للخروج بعمليته «السرية» تهتدون فهل كنت من الذين يعلمون بخروجه؟ - نعم كنت من الذين قادوا العمل السري في «تهتدون» بكل قوة، وكنا فريقاً موحداً، وفعلاً تهتدون تم تنظيمها بطريقة سرية للغاية، وحتى بعض الكوادر اللصيقة بالإمام لم تكن تعلم، بل إن معظمهم كانوا بمنزل عبد المحمود أبّو، وفوجئوا بالخبر عبر «التلفاز». هل نظم تهتدون عبد الرحمن الصادق فعلاً أم أن هناك جهة خارجية قامت بذلك؟ - عبد الرحمن هو من نظمها. إذاً كنتم تتلقون التعليمات من عبد الرحمن الصادق؟ - لا أحب أن أخوض في تفاصيل «تهتدون» ، ودورنا مع حزب الأمة لم يتوقف عند هذا الحد، وتواصل حتى عودة الإمام الصادق المهدي في «تفلحون»، وكان لي دور مشهود، كنت رئيساً للّجنة العليا لاستقبال الإمام والحشد الجماهيري وقد رصدت هذا الحدث بالساعة، وقد كان يعمل تحت رئاستي الفريق صديق اسماعيل مسؤولاً للجنة الامنية، وقد قمنا بتقسيم الكوادر لعشرات تحركت من مطار الخرطوم إلى مسجد الخليفة. مقاطعة.. يقال إن مجموعة من طلاب الأنصار حاولوا «التحرش» وربما اغتيال الترابي في ذلك اليوم وبما أنك رصدت الحدث كما قلت ما الذي حدث بالضبط؟ - نعم من أهم الأحداث في ذلك اليوم هو المحاولة من بعض طلاب الأنصار للتحرش بالترابي، الذي أتى لاستقبال الإمام الصادق، وعندما علمت بأن الأنصار لن يتركوا الترابي الذي كان رئيساً لحزب الجبهة الإسلامية في ذلك الوقت يغادر بسلام، وبصفتي رئيساً للجنة تحدثت إلى إبنه صديق الترابي وأخبرته بضرورة انسحاب والده من الميدان إلّا أن المتحرشين كانوا قد طوقوا الميدان، فلم يكن أمامي خيار آخر سوى عربة الحبيب عبدالله أبو سالف، وقد كانت تحمل «الفتّة» للانصار، وفعلاً تم تهريب الترابي بعربة «الفتّة» من ميدان الخليفة حتى وصلنا به إلى الموردة حيث كانت تنتظره سياراتهم ، كان ذلك حوالي السابعة مساء، وقد قمنا بتقديم الاعتذار للترابي عن ما بدر من أبناء الأنصار. ما الذي كنت ترجوه من تهريب رئيس الجبهة الإسلامية؟ - كنت أخشى الفتنة لأن الإسلاميين لم يكونوا ليصمتوا إن حدث شيئ للترابي، وكان ذلك سيكون شرارة حرب بينهم والأنصار كانت ستستمر حتى الآن. بعد كل هذا الولاء للإمام الصادق المهدي غادرت مشاركاً في حكومة المؤتمر الوطني.. ما السبب؟ - قناعة شخصية بأنّ السياسي لابد أن يكون له دور فاعل سواء كان ذلك في المعارضة أو الحكومة، فساحات الزمن لا تتوقف، وقد حسمنا قضيتنا بالمشاركة بعد العناء الكبير الذي خضناه في المعارضة ورفضنا المواقف الرمادية، وعزاؤنا أننا شاركنا وفقاً لأسس معينة، هي السلام والتحول الديموقراطي. وهل كان تلك أدوار سياسية فاعلة مع المؤتمر الوطني؟ - شاركت في مواقع متعددة في الحكومة، منها وزارة الصحة شمال كردفان، وقمت بادخال «القابلة» للفصل الأول وبعض الإصلاحات الكبيرة بشمال كردفان، وعملت أيضاً معتمداً للرئاسة بالولاية الشمالية، ومسؤولاً عن ملف التنمية القومية، وقد كنت واقفاً بنفسي على مشاريع التنمية التي شهدتها الولاية الشمالية، وعملت وزيراً مكلفاً ووزيراً للتربية والتعليم ولاية الخرطوم، وقد حقّقنا بعض الانجازات أيضا،ً وعلى الجانب السياسي أمين عام لمجلس أحزاب الوحدة الوطنية، وأكبر عمل قمت به هو التحضير لمبادرة أهل السودان في كنانة، ورئاسة اللجنة الفرعية لتقديم دراسة لتقسيم ولايات دارفور، ترأست بنوك دارفور، وقمت بتقسيم أصول ولاية غرب دارفور لوسط وغرب دارفور بقرار من السيد رئيس الجمهورية، وشاركنا مشاركة فعالة في الاستفتاء، وزرت ولايات جنوب السودان، وقمت بندوات من أجل الوحدة في واو ورمبيك وأويل، وراقبنا الإستفتاء في أثيوبيا، كما قمت بفتح قنوات بين الأحزاب السودانية، حيث كان لنا تواصل مع ثوار ليبيا ومجلس الأحزاب المصري، وفلسطين وفتح وحماس، كما تحدثت مع القائم بالأعمال الأمريكي حول ضرورة التعاون مع الأحزاب السودانية في المجال الثقافي والسياسي، والرجوع لمجلس شؤون الأحزاب في حالة الحاجة لتزكية بعضهم. ما دمتم تؤمنون بالتحول الديموقراطي بحزبكم لماذا إذاً قمتم «بكتم أنفاس» المجموعة الرافضة لمشاركة المؤتمر الوطني في مؤتمركم العام؟ - أنا كرئيس مناوب للجنة العليا للمؤتمر لم يأتني أي طلب ولم تكن لدي معلومة بذلك، وإذا كانت هناك أعمال من هذا القبيل سيكون عملاً اختراقيا،ً ولدينا الحماية الكافية لكن من ضمن توصيات المؤتمر أن يشارك الحزب شراكة سياسية تلبي طموحاته في إدارة شؤون البلاد، وتقديم خدمات لمنسوبيها وكافة الشعب السوداني بنسبة متساوية وعادلة بخلاف ما هي عليه الآن إذ أنه أضعف الأحزاب شراكةً في حكومة القاعدة العريضة.