باهتمام كبير تابعت بعضاً من خطاب سيادة الأستاذ على عثمان النائب الأول لرئيس الجمهورية في مدينة القضارف في احتفالات نفرة الزكاة، وهو يتحدث عن مشروعات محاربة الفقر، وعن جهود الدولة في مجالات التمويل الأصغر والسعي لاخراج عشرين ألف أسرة من دائرة الفقر الى رحاب الإنتاج، وبحضوره المميز أثناء حديثه سأل مسؤول بنك السودان عن حجم المبلغ الذي تمثله نسبة ال 12% المخصصة من السقوفات الائتمانية للبنوك التجارية للتمويل الأصغر.. مشيراً الى ضرورة توظيف هذا المبلغ لخدمة الاقتصاد الكلي وابتداع مشروعات غير الاستهلاكية التقليدية كقيمة مضافة للإنتاج يكون له تأثير في الدخل القومي، ومضى السيد النائب الأول في تقديم الأفكار التي تؤسس لتحقيق الأهداف الكبرى ابتداءً من التدريب والعناية بالجودة والتسويق واحتياجات السوق. التجربة السابقة في سياسات الدولة ومنهجها في محاربة الفقر عبر التمويل الأصغر لم تحقق الأهداف المعلنة بنسبة المتوسط في قطاع الإنتاج الأسري بغية زيادة دخل الأسر، بل خلفت عمليات التمويل التي قدمتها البنوك التجارية نتائج كارثية على هذه الأسر التي اضطرت من أجل الوفاء بالتزامات تسديد مديونياتها الى بيع ما كانت تملك من متاع ومعدات وأرض سكنية وبدلاً من الخروج من دائرة الفقر ازدادت بؤساً ومعاناة والبعض الآخر من الأرامل والسيدات والناشطات في المنظمات النسوية الخيرية في أطراف المدن وحواري الفقر ذهبن الى الحراسات والسجون، ليبقين الى حين السداد، وتركن أطفالهن في أوضاع إنسانية مأساوية أدت الى تشريد الأبناء والبنات، والبعض من ربات الأسر لم يحتملن إنذارات مباحث البنوك وأوامر القبض عليهن، فتسللن الى خارج الوطن وبالتحديد الى الجارة مصر، ومن أجل لقمة العيش التحقن بصفوف اللجوء وما يتطلب من اثباتات الانتماء للمعارضة أو اتخاذ طريق صوره أحد الحكماء بجملة ماثورة(حيثما ذهب الفقر قال للرذيلة خذيني معك)، ولا أمان لمحتاج. لقد ظلت بعض المنظمات الإنسانية الوطنية المتخصصة والخيرين من أبناء السودان يعملون لمعالجة بعض الحالات في الحراسات والسجون مثل منظمة المساعي الحميدة، ومنظمة القديس منصور، ومازن النسوية، ومنظمة أنصار السنة، ومنظمة النزيل، من خلال استقطاب التبرعات من المؤسسات والأفراد لمواجهة إعسار النساء في الحراسات والسجون، وتبقى المشكلة قائمة ومتفاقمة بازدياد، بسبب الأسباب الجذرية في سياسات التمويل الأصغر والتي يمكن تلخيصها في الآتي: رغم خصوصية أهداف التمويل الأصفر إلا أن البنوك التجارية تطبق ذات الدورة المستندية واجراءات فتح الحساب، والضمان، والفترة الشهرية للسداد، ومن ثم الاجراءات القانونية في حالة ارتداد شيكات الأقساط، وهي الاجراءات التي يتم تطبيقها في عمليات التمويل التجاري والصناعي ذات الحجم الكبير، والتي تحقق للبنك أرباحاً عالية ويقوم موظفو البنوك بتطبيق الاجراءات بحرفية على عملاء التمويل الأصغر، وعايشت مثالاً الأسبوع الماضي لتعسف أحد مدراء الفروع بأم درمان ورفضه تحرير شهادة بمبلغ مديونية إحدى السيدات من أجل تخليصها من التشرد خارج البلاد. أيضاً من بين الأسباب الجذرية لتعثر وفشل أهداف التمويل الأصغر غياب آلية المتابعة والتقييم، فإن مسئوولية البنك تنتهي بالتنفيذ دون التأكد من صورية العملية الاستثمارية، فكثير من ربات الأسر تتوجه للتمويل الأصغر لحل مشاكل آنية مثل دفع قيمة إيجار السكن، أو مصروفات المدارس للأبناء، أو مقابلة تكاليف العلاج، والضرورات الأكثر الحاحاً ومن هنا يأتي التعثر والعجز عن السداد في غياب مصدر دخل للأسرة. أما النقطة الثالثة التي أشار اليها سعادة النائب الأول والتي تعتبر واحدة من التحديات أمام تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية لفلسفة التمويل الأصغر، وهي عملية التسويق لمنتجات الأسر الفقيرة.. ومعلوم أن التسويق من أهم الأسباب لزيادة الإنتاج والتنافس لتحقيق الجودة وأن عدم التسويق واحد من أسباب تآكل راس المال والخسارة، وهنالك عدد من الأفكار تم تقديمها لبعض مؤسسات التنمية المجتمعية لاستيعاب منتجات الأسر، وفتح نوافذ للتسويق مثل تجربة مجمعات عمر افندى بجمهورية مصر العربية، ومؤسسات التسويق الاجتماعي والشغل بالمملكة المغربية التي فتحت الأسواق العالمية للمنتجات الأسرية في مجالات صناعة السجاد وصناعة الفخار. إن حماس الدولة عبر مؤسساتها التكافلية في الحد من ظاهرة الفقر وفتح مجالات العمل للخريجين والعاطلين، إن لم يتم تداركه بتقييم علمي وإصلاح جذري شامل سوف يحدث نتائج عكسية يزيد من دائرة الفقر، ويكون عبئاً على الاقتصاد الكلي. ولله الحمد