ولكن«هذه لم لا تدعني؟! تماماً كما فعلت بشادينا الطروب وهو يردد منذ رفع العلم «تجيش النفس بالآمال لكن..ولكن هذه لم لا تدعني».. ذكرني بها مواطن سيطر وجهه على الشاشة بشكل درامي Close Up)) وهو يقول للدنيا بفرح وغرور:«ما عايزين حاجة تانية من الحكومة، ما عايزين»!.. لقد تحقق الحلم القديم، فالمناسبة هي حفل تدشين الخط الناقل لكهرباء ابو حمد بولاية نهر النيل، على يد رئيس الجمهورية الأحد الماضي.. قلت لنفسى وانا سعيد لسعادته.. ليت كل مواطن يتحقق له حلم طال انتظاره، فيستغني عن الحكومة.. وتراءى لي الكثير من قبيل(نقص القادرين على التمام).. فدولة بإمكانها أن تنجح هنا فلماذا لا تفعل هناك؟. إنها تسعد الناس بأن توفر لهم الكهرباء ليعتمدوا على أنفسهم فينتجون وينهضون بمنطقتهم كما(فلسفتها) الأممالمتحدة، وهذا المواطن من «ابوحمد» وقبيل ذلك الدولة تنتصر في ابوكرشولا ثم توفر مناخ التحصيل الأكاديمي لطلاب عينهم على التميز، فلماذا لا (تكمل الجميل)، فتحاصر جملة مآخذها المحيرة فتعالجها ليستقيم أمرها، كأن تقطع دابر الفساد وترد الحقوق لأهلها بدءاً بالمعاشيين وذوي الدخول المرهقة ومن فقدوا وظائفهم؟.. لماذا لا؟!.و(لكن) هذه لم لا تدعني!.. تتحقق انتصارات فتعم الفرحة، ولكنا نفاجأ في هذه الأثناء ذاتها بمن ينعي للملأ (النهضة الزراعية) بديل النفط بلا منازع.. فرحة التميز تعم البلاد باوائل الشهادة السودانية، ولكن الأولى(تصرح) من حاضرة البحر الأحمر قائلة إن فرحتها لا تكتمل إلا بحل مشكلة مياه بورتسودان!..بعض آخر من الاوائل كان همهم إدراك مهنة الطب تنفيذاً لوصية من عانى من مرض يستعصى على الأطباء لا يزال.. هذه الروح التي سرت بين انتصار ابوكرشولا، وتوظيف الكهرباء، وتميز الشهادة السودانية، لماذا لا نسارع فنستثمرها في تعزيز(همة الناس) قبل أن تتجدد الأحداث المؤسفة، وما كارثة حجيج القضارف إلا مثالاً- تقبل الله حجتهم. (همة الناس)؟! يا لها من أمنية، إنها قرين(هيبة الدولة) كلمة السر في تطور البلدان.. المحامي الصريح غازي سليمان اطلق في هذه الأثناء عبر التلفزيون(روشتة) من قبيل علاج الحالة المعاكسة لكلمة (همة) فيرى أن حل المشاكل التي تعاني منها البلاد الآن(الإدارة،السياسة،الزراعة،المياه،الطب، والدولار) هو في تحويل مجلس الوزراء الى فرقة من المجاهدين.. في الأمر غرابة نعم، ولكني تذكرت طرحاً غريباً وقريباً من ذلك، نادى به شقيقه رجل الدولة البارع الأستاذ بدر الدين سليمان قبل أربعة عقود من الزمان، حين طالب بخدمة مدنية بمواصفات (هيئة أركان)، ليتسني لنا أن نأمل في تحقيق التنمية والنهضة المنتظرة منذ إعلان الاستقلال. فلنقل إن هناك أسرة بحالها (تجند) عباقرتها منذ عصر كبيرهم وكبيرنا البروفيسور التجاني الماحي عليه رحمة الله بحثاً عن«طريقة تفكير» ملهمة لحل مشاكل البلاد المؤجلة، وفي ذلك سلوى- على الأقل لطالبة بورتسودان النجيبة، وللمتعلقين بأهداب الإدارة الحديثة على أنها (الإلهام) كما عرفها بروفيسور التجاني الماحي.. إن أجواء إعلان الشهادة كما كشفت الصحف والقنوات والاذاعات جعلت (المناخ العام) في ذلك اليوم مهيئاً للآمال العراض، فتفاءل البعض فى امكانية استكمال هيبة الدولة عبر الحلول المستقبلية، فمنظومة المستقبليات(Futuristic) تتبلور كالأمشاج هنا وهناك في خضم هذه النجاحات والاخفاقات، لتبدو في الأفق أولوية(الموارد البشرية) المؤهلة مقترنة بمسألة إرساء(طريقة تفكير) جديدة وإشاعة ثقافة العصر(التخطيط الاستراتيجي) ذلك المجهول.. ونذكر هنا أنه يوم بدأنا نفكر استراتيجياً وانعقد لذلك مؤتمر قومي جامع ((1991 بادر البروفيسورعبدالله الطيب بإطلاق ندائه (تخليق العقلية السودانية) وظل يتعهده بالتذكرة الى يوم مرضه كما يذكرنا الصحفي الموثق محمد الشيخ حسين (الخرطوم 22/6).. هلا تنادينا في ذكرى عالم جليل نحو فكرة (تخليق العقلية السودانية) ليكون للبلاد (طريقة تفكير) معتمدة استراتيجياً ودستورياً، منتجة وعادلة، تقاس عليها النجاحات مجردة من (لكن) المزعجة هذه، لاسيما في مجال الزراعة والصناعة وإدارة المحليات، والمال العام، واية مهنة يعاني منها الجمهور بلا مبرر. كأن (إدارة امتحانات السودان) تعمل وفق دستور، فهي أفضل مظهر لوجود طريقة تفكير مهنية مستقرة متكاملة، والوزيرة تبشر الناس فتصف الشهادة السودانية بأنها(دقيقة، صحيحة، عادلة) بشرها الله بكل خير، فمن يبشر أهل السودان وهم في حالهم هذه بأن هناك الآن أيضاً من البشريات مناخ تحرير ابوكرشولا، وأثار قرار كهرباء ابوحمد، وروح كرنفالات سيكافا- برغم صوت السلاح- كما تجلت في كادقلي والفاشر وشاهدها العالم ولها تعجب، وهناك وهناك.. إن حصر النجاحات يشيع التفاؤل ويعلمنا الانصاف لنستزيد من ثمار طريقة تفكيرنا المنتجة المستعصمة بإرث الكفاءة والعدالة. إن قراءة تفاصيل يوم إعلان النتائج تسمح بالتفاؤل مقروناً بالتساؤل: لماذا ننجح هنا بينما هناك(لم ينجح أحد!)؟ كيف نجح هؤلاء دون أولئك؟..الناجحون ( فاجأونا) مع إن النتائج تعلن كل عام، ربما لأن تراكم الإخفاقات والسلبيات يجعل الناس في حالة يأس ليطل النجاح كالمفاجأة. واضح أنه وراء كل نجاح مفاجأة مادامت هناك صعاب.. قصص النجاح أحق بالرواية ليتسني تغيير الخطاب العام اليائس الذي ينهك المجتمع جراء سلبيات (مقدور عليها) ومظالم بالإمكان تداركها، لكنها باقية مكانها بكل أسف لتتفاقم ظاهرة (لم ينجح أحد)!. أرجو أن لا نتخطى الدلائل الإيجابية الوفيرة التي انداحت في(يوم النتائج) كما عشناها، إنها كفيلة بأن تسعفنا من الإنجراف مع الأحداث المقلقة ومآلاتها المحبطة حتي نبقى حيث كنا، بلا طريقة تفكير.. وها هي (طريقتنا في الإدارة) تفضح نفسها بالقضارف فتنتج كارثة أخرى تصادر أفراح البلاد بالناجحين نتيجة غياب (التخطيط، التنظيم والتنسيق) كما إعترف شاهد من أهلها. كانت البلاد في حاجة لمثال إيجابي باذخ للأداء العام يهديه نفر من بنيها للناس، وقد حاصرتهم الموازين المختلة والسلبيات اللزجة والعوائق المصنوعة.. مؤسسة عريقة اسمها (امتحانات السودان) شهرتها أنها صانعة للنجاح والإنصاف والتقاليد المهنية حققت هذا بإحكام التخطيط والتنسيق وأهدت وسام التميز لغيرها علهم يتعلمون من جهة مهمتها التعليم بل التربية أيضاً، فيستثمرون مناخ النجاح الذي صنعه أبناؤهم هم، أو هكذا تصورت الأمر وأنا أتابع المؤتمر الصحفى لوزيرة التربية والتعليم وأقطاب الوزارة في صورة باهية يعلنون نتائج الشهادة السودانية لتعم الفرحة كل أرجاء البلاد- كما عكست كاميرا التلفزيون في تغطية فورية- جاءت بمستوى الحدث تماماً، لنطمئن أن نبض أهل السودان بخير مازال، والحمد لله. من أين يأتي النجاح والظروف هي الظروف، تتربص بالصامدين- كما شاهدنا في بيوت تخرج منها متفوقون؟. شاعت لغة جديدة في (يوم النتائج) ليت كل يوم هو يوم للنتائج.. الكل يوسع دائرة الفخر (المجتمع حقق النجاح عبر أبنائه).. والأبناء يردون الفضل لأهله (إن كنا نحن أحرزنا الدرجات فهم أحرزوا الفضل علينا).. جاءت النتائج حزمة من دروس بليغة مفهومة منها أن أهل السودان يوحدهم التعليم.. ومنها لا تيأسوا من رحمة الله فالناجحون قادمون، طلاب علم ومؤسسات ومنظمات ومجددون، وما على الدولة إلا أن تنجح أيضاً فيما يليها دستورياً، التخطيط والرقابة والمحاسبة ثم الرعاية والتحفيز والحماية من (القاعدين) لتعم البلاد نعمة النجاح (المتكامل) بإذن الله.