في اكتوبر عام 2002 عقدت منظمة الهيئة الشعبية لتنمية دارفور برئاسة الراحل العزيز الدكتور يحيى الملك المنتدى الأول للسلام والتنمية بدارفور بقاعة الشهيد الزبير للمؤتمرات بالخرطوم، وبحضور كثيف لكل القيادات الرسمية والشعبية لأبناء دارفور وقيادات الأجهزة الأمنية الاتحادية، تم تقديم ثلاث أوراق أعدتها المنظمه في محاور الانفلاتات الأمنية ومآلاتها وأخرى حول واقع التنمية في دارفور.. والورقة الثالثة عن السلام الاجتماعي والتعايش القبلي وحظيت الموضوعات المقدمة بتناول صادق وجريء واستشعار مبكر لما هو متوقع حدوثه، إذا لم يتم تدارك الأوضاع والأخذ بأسباب المعالجات التي جاءت في البيان الختامي والتوصيات والقرارات التي خرجت من المنتدى لقد أشارت الهيئة الشعبية في مشروع مقترحاتها للمنتدى الى خطورة البرنامج الرسمي المؤدي الى تسييس القبائل في دارفور وتأسيس كيانات موازية وضرار للإدارات الأهلية تحت مسمى مجالس شورى القبائل والتي اندفعت للتنافس في حشد أبناء القبائل لاداء بيعة التأييد للنظام الجديد، وفي حضور الدكتور الترابي برمزيته السياسية وخلفيته الحزبية، وقد وجدت التوصية قبولاً واسعاً من الحضور الذين رأوا في الاستقطاب القبلي وتسييس القبائل خطراً يهدد النسيج الاجتماعي وينذر بمستقبل قاتم، وكان من أبرز الأصوات من طرف بويتات الإدارات الأهلية الدكتور آدم مادبو ومن طرف انصار النظام الوزير يومها بالشؤون الإنسانية الأستاذ محمد يوسف عبدالله لقد رادف تسييس القبائل فتح منافذ التسليح والزج بالمجموعات القبلية في العمليات العسكرية والتي بدأت مع جردة الحركة الشعبية لتحرير السودان الجنوبية تلك الجردة التي قادها المهندس داؤود بولاد والقيادى عبدالعزيز الحلو، والتي استهدفت منطقة وادي صالح بجبل مرة واستعانت السلطات بالفرسان من القبائل، الى جانب القوات النظامية لملاحقة قوات الحركة الشعبية، ومثلت قوات الفرسان قوة قبلية مدججة للقيام بعمل عسكري خارج منطقة جغرافيتها وإدارتها الأهلية وفي غياب الحماية والعدالة الرسمية، عملت القبائل في منطقة جبل مرة على تسليح نفسها لمواجهة مخاطر الفرسان، فكونت المليشيات القبلية المسلحة والتي تم استقطابها فيما بعد لحركة جيش تحرير السودان، بينما استقطبت الحكومة مجموعات الفرسان لمواجهة الحركات المسلحة لقد أدت التطورات في مشكلة درفور الى الواقع المؤلم الذي نعايشه من حرب الفوضى القبلية التي راح ضحيتها الآلاف من المدنيين وأوجدت النازحين الجدد وعطلت الحياة وأعادت دارفور الى وضع اسوأ من الأوضاع التي كانت عليها في الفتره من 2003 وحتى برتكول الدوحة وقد عبر عن فداحة الازمة في المستويات السيادية بحديث رئيس الجمهورية في مخاطبته لمجلس شورى المؤتمر الوطني بوصف النزاعات القبلية المسلحة في دارفور بأنها من أكبر التحديات التي تواجه الدولة والحزب، وفي المستوى الاقليمي جاءت تصريحات الدكتور التجاني سيسي رئيس السلطة الاقليمية بأن الحروب القبلية تهدد اتفاقية السلام وتعطل فعالية وثيقة الدوحة.. وأشار السيسي الى أن الذي يحدث من عنف وفوضى أمنية في دارفور الآن ليست للحركات المسلحة الدارفورية يد فيها بعد التوصيف والأسباب الجذرية للأزمة وبمتابعة التطورات التي انتجتها سياسات الدولة لإنهاء مشكلة دارفور بالتفاوض مع الحركات المسلحة برعاية اقليمية ودولية والاتفاقيات التي تم توقيعها في كل من ابوجا والدوحة والتي من بينها الترتيبات الأمنية ونزع سلاح المليشيات القبلية المساندة للحكومة فإن معالجات دمج والحاق هذه القوات بالمؤسسة الرسمية فشلت إجرائياً وما نقله المستشار موسى هلال في إحدى لقاءاته الصحفية عن الوالي كبر بعد عودته من العلاج بالخارج بمطالبته بقوات قومية في ولايته أيضاً من التطورات واقع الحركات المسلحة الدارفورية التي عانت من الانشقاقات القيادية في صفوفها وفقدت الحاضنة الشعبية ممثلة في المجتمع المدني الدارفوري إضافة الى فقدانها لحميمية العلاقات التي كانت تربطها ببعض دول الجوار الجماهيرية الليبية سابقاً ودولة تشاد ومن ثم انضمامها الهيكلي والموضوعي للجبهة الثورية، ومشاركتها في تنفيذ عمليات عسكرية خارج جغرافية دارفور.. مما أوقف عملياتها العسكرية النوعية في الهجوم على المدن واستهداف المقار الحكومية التي كانت المليشيات القبلية تواجه التمرد إن كانت الأحداث القبلية التي وقعت في الفترة الأخيرة نتاج طبيعي للتطورات التي أشرنا الى البعض منها، فإن ما يميز هذه الحروب غير المبررة وقعت بين مجموعات اثنية وقفت الفترة الماضية في وجه الحركات الدارفورية المسلحة وفي صف الحكومة والتطور الأكبر والأخطر، ما جرى في مدينة نيالا الأيام الماضية من أحداث وصفها أحد الأجهزة الرسمية بانها مواجهات بين بعض القوى الأمنية بينما تعليق الوالي الجديد لإحدى الصحف بأن كل الأشياء قد قبلنت في ولايته وكانت الاستعانة بالمركز من خلال وفد قيادي ذات صبغة قبلية ثمة اسئلة ملحة وحرجة من أهمها هل تظل دورة العنف والاقتتال في دارفور تتواصل الى ما لانهاية وتتناسل بأوجه مختلفة، والسؤال الثاني هل أفشلت القبلية التي تحدث عنها والي جنوب دارفور مجهودات إعادة الأمن والسلام للمنطقة وهزمت اتفاقيات السلام وأن الأمر يتطلب اشراك أطراف أخرى داخلية في التفاوض أو الحوار هذه الاسئلة وغيرها موضوع مقالي القادم ولله الحمد