رحم الله الأستاذ الكبير عبد اللطيف عبد الرحمن والذي نظم قصيدة منقو زمبيري.. منقو قل لا عاش من يفصلنا.. ولأبناء هذا الجيل وتلاميذه وطلابه.. فقد كان منهج المدارس الأولية يتضمن في مادة الجغرافيا كتاب اسمه سبل كسب العيش في السودان يطوف كل أصقاع السودان من القولد وحتى يامبيو ومن ريرة حتى الجفيل وبابنوسة والعديد من المواقع وكانت هناك منظومة شعرية يحفظها عن ظهر قلب كل تلميذ تبدأ بكلمات.. في القولد التقيت بالصديق انعم به من فاضل صديق.. ثم تتواصل كلمات الأغنية الأنشودة الملحمة سمها ما شئت.. وهي كذلك من كلمات الأستاذ عبد اللطيف عبد الرحمن وقد تشرفت بمعرفته ومشاهدة شخصه عندما زار مدرستنا.. وكان مفتش تعليم.. وقدم لنا حصة نموذجية واختارني للإجابة على أسئلته واختبر فهمي وحفظي وقال «برافو صفقوا له» وتقدمت إليه فصافحني.. وقد سعدت جداً لهذه الجائزة المعنوية.. وقد صار الأستاذ وزيراً إقليمياً في ما بعد ذلك بكثير.. وكذلك التقيت بعمنا صديق عبد الرحيم والذي اغترب بأمريكا وعاد للبلاد منتصف التسعينيات تقريباً.. وقدمه لي خالنا عبد الحفيظ عبد المجيد وكنت وقتها بالتلفزيون القومي.. وتوفى بعد ذلك بقليل رحمه الله رحمة واسعة. ونعود لصديقنا منقو زمبيري في يامبيو والذي كان الشخصية الرمزية لوحدة بلادنا.. نحن روحان سكنا بدنا.. منقو قل لا عاش من يفصلنا قل معي لا عاش من يفصلنا.. ويبدو أن الاستجابة لهذه الدعوة الصادقة والكريمة كانت تلقائية «وقتها» فلم تكن نبرة الانفصال قد تعالت وعاش الجنوبيون من نمولي إلى حلفا في وطنهم السودان ولم تسجل أي اعتداءات على الجنوبيين في الشمال وحتى ما حدث من حوادث متفرقة هنا وهناك لم تشكل أي تهديد للوحدة الوطنية.. وعندما جاء حق تقرير المصير لجنوب السودان كان هناك إجماع من كل القوي السياسية عليه.. فلن نحمل وزره ونتائجه لشريكي نيفاشا وحدهما فذلك ليس عدلاً .صحيح أن هناك نصاً مطاطاً يقول العمل على جعل «الوحدة جاذبة».. لكن ذلك لا يلغي خيار الانفصال وها هم قادة الحركة الشعبية قد أسفروا عن وجههم الانفصالي بأي طريقة حتى أن سعادة الفريق أول سلفا كير ميارديت النائب الأول لرئيس جمهورية السودان يقول أمام بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي من السود.. لا تتوقعوا استفتاءً في الجنوب بذات المعايير الغربية من حيث النزاهة والحرية!! وهذا يعني «بالمفتشر» أن لا حرية ولا نزاهة في الاستفتاء حتى تجيء النتائج كما يشتهي قادة الحركة بقيام دولة جديدة في جنوب السودان «زور نور».. وستضيع أدراج الرياح كل الأصوات الداعية للوحدة.. اللهم إلا أن «نقنع من الغنيمة بالاياب».. قالوا لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم.. قالوا معذرة إلى ربكم. وسنظل ندعو إلى الوحدة حتى إعلان نتائج الاستفتاء. وخلافاً لما توقعه المرحوم عبد اللطيف عبد الرحمن فقد عاش من يفصلنا ويسعى لفرض خيار الانفصال وحسناً يفعل الشريكان بتقوية العلاقات بين الشمال والجنوب باعتبار ما سيكون.. وقد وضع الدكتور لام أكول أجاوين علاقة الشمال والجنوب على طاولة التشريح وكتب بحثاً علمياً مركزاً ووصفة ناجعة لكنها جاءت في وقت متأخر مثل حال المرضى الذين يسعفهم ذووهم إلى مستشفى الحوادث بعدما يجربون فيهم الأدوية البلدية كافة وتتأخر حالتهم بعد تناول كميات من الحرجل والمحريب والجردقة الترابية والحبة السوداء وزيت السمسم وكل محتويات دكان التيمان وزيارة الفقراء والأضرحة والبخور والكي.. ولا يقدر أطباء الحوادث الامتياز فعل شيء غير تحرير شهادة الوفاة بعد وصول المريض بقليل! وهذا ما سينجم عن الاستفتاء ونتائجه التي تكاد أن تكون قد حسمت سلفاً عند سلفا وأعوانه. واحد قاعد يأكل في الموز بقشرته.. فقال له صاحبه «يا اخي ما تقشره بعدين تأكله» فرد عليه أقشره لي شنو وأنا عارف الجواهو!! وهذا هو المفروض،،