أن أهل الإستراتيجية القتالية اليوم يعدون المفاجأة هي أحد مباديء الحرب الثمانية.. وهي عندهم في نوع السلاح أو في وقت الهجوم أو مكانه. ولكن فات عليهم أن للمسلمين سراً ثالثاً خطيراً اسمه رمضان.. أن رمضان من كثرة الإنتصارات فيه تكاد تحسبه سلاحاً جديداً.. أو جندياً مقاتلاً من نوع فريد، لم تألفه ساحات الحرب.. إن انتصارات رمضان لا تكاد تحصى أو تحصر.. لقد فتح المسلمون قبرص في رمضان على يد القائد المملوكي الأشرف برسبابي وكان ذلك عام 829ه.. وكانت موقعة حارم في رمضان عام 559 وكانت بين الجيش المسلم بقيادة نور الدين محمود وجيوش الفرنجة، وكان النصر حليف الجيش الإسلامي، بل أن المسلمين فتحوا جزيرة القرم في رمضان.. وهي جزيرة تعد من مكونات الأرض الروسية على مدى العصور، وكان فتحها في رمضان من عام 889ه في أيام الدولة العثمانية، وقد كان الفتح على يد السلطان العثماني العظيم محمد الفاتح فاتح القسطنطينية (بيزنطة)، بل هو الذي فتح صربيا والبوسنة والهرسك وأثينا والمورف وغيرها.. ولا ننسى فتح السند والهند على يد محمد بن القاسم الثقفي في زمان الدولة الأموية المفترى عليها، والتي أشبهت في أيامها فتوح المسلمين في خلافة عمر بن الخطاب، وكان ذلك على أشده في زمن الخليفة الوليد بن عبد العزيز، وكان هذا الفتح في رمضان من العام 94ه. وكسائر الانتصارات الإسلامية فإن انتصار المسلمين كان انتصاراً حقيقياً وكاملاً، وهو الانتصار الذي يتسابق فيه المغلوب إلى اعتناق ديانة الغالب وحضارته ولغته. ومعارك الإسلام الخالدة في رمضان كثيرة ومتنوعة ومتعددة منها معركة شقحب أو معركة «مرج الصفر»، والتي كان للعالم الفقيه ابن تيمية فيها دور بارز سجله التاريخ، وكانت المعركة ضد المغول بعد هزيتهم الأخيرة في عين جالوت وكانوا قد هجموا على الشام ودمروا حلب وحمص وحماة حتى خافهم الناس، وحتى انضاف إلى جيش التتار كثير من أهل الفضل والجاه والمكانة.. وتزلزل الناس ولم يثبتهم إلا ما تعودوه من قراءة البخاري في المساجد عند البأس والشدة، وكذلك كلمات الإمام ابن تيمية الذي قال لهم: «لو رايتموني في جيش التتار وعلى رأسي مصحف فاقتلوني ولا تبالوا»، وشد ذلك من عزيمة الناس وشجعهم وقواهم، وكان يحلف أمام الجند وأمام القادة بالله الذي لا إله إلا هو أنكم منصورون عليهم.. فيقولون له قل: إن شاء الله فيقول إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً!!. وافتى الناس بالفطر، وأخطر إمامهم وكانت الواقعة في أول رمضان من ذلك العام 702 عن تنسينا هذه الملاحم وهؤلاء الأبطال انتصارات رمضان التي قادت إلى كل نصر بعده.. انتصار يوم الفرقان يوم بدر الذي صنعه الله سبحانه وتعالى على يديه لأنه الإسلام.. ولو وكل لهم أمر صناعته لافسدوه «وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ».. وجاءت بدر في السابع عشر من رمضان عام 2ه وكان يوم بدر فرقاناً بين الحق والباطل إلى يوم الدين.. ثم جاء بعده يوم الفتح الأكبر فتح مكة معقل الطاغوت ومثابة أهل الباطل والشقاق والشرك في ذلك الزمان وصنع الله النصر أيضاً في مكة.. صنعه سبحانه وتعالى يوم الحديبية بالمعاهدة التي كرهها كثير من المسلمين ورأوا فيها إذلالاً لهم، وأن قريشاً أعطيت أكثر مما تستحق، ونزل القرآن: «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا.. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا.. وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا». وجاء النصر بلا ميعاد من أحد ولا تدبير.. جاء في رمضان من السنة الثامنة للهجرة أي بعد الهدنة مع قريش في أقل من عامين. ولم تكن غزوة فتح مكة هي فاتحة الانتصارات.. بل بدأ نوع جديد من الانتصارات.. تحول المسلمون من انتصار الدفع إلى انتصار الطلب.. والصناعة الرمضانية مستمرة إلى آخر ما شهدنا من من حرب العاشر من رمضان عام 1973م.