ü في جرأة يحسد عليها، قال رئيس جهاز المخابرات المعزول صلاح عبدا لله «قوش»: آخر مرة قابلت الصادق المهدي عندما تركت المستشارية، وأتاني في البيت لكي يقول لي «حمداً لله على السلامة» وتناقشنا حول أفكار أساسية منها: أن تنصلح البيئة السياسية بالسودان، وأن يقبل الناس بالآخر، نتفق على قضايا أساسية في البلد، ونختلف على تفاصيلها في البرامج «...» وقلت له إن كان هذا كلامك فهذا ما نسعى إليه.. إذن ليس هناك فرق بينك وبين المؤتمر الوطني، فلماذا لا تنضم للمؤتمر الوطني؟، وإذا دخلت بهذه الأفكار «فيمكن أن تكون رئيساً له بسهولة جداً»! الذي تم بيني وبينه هو الذي ذكرته لك، ولم التقه بعدها حتى الآن، وما أُشيع أني اخطرته بانقلاب هذا كله كذب وفبركة منطلقة من أجندة معروفة من أشخاص معروفين.. (من حوار مع صحيفة «اليوم التالي» أجرته صباح موسى). ü عند وقوفي على تلك الفقرة «الجريئة» في الحوار، وضعت الصحيفة جانباً وأخذت اتأمل واتفكر في المشهد السياسي برمته، وارتسمت في ذهني صورة عجيبة لمستقبل التطور السياسي في بلادنا برمته، أخذت تتبلور أجزاؤها وتتراص واحداً بعد الآخر حتى تأخذ ملامحها النهائية في يوم لا ينتظره السودانيون المغلوبون الصابرون، وقد تكتمل- كما تمنى «قوش»- أو لا تكتمل، فليس ذلك هو المهم.. فبناؤها قد بلغ مبلغاً يُرضي المعنيين في «الطبقة العليا» للساسة السودانيين، بمنطق «شيء خير من لا شيء». ü المشهد يقول إن الطبقة السياسية العليا ليس بينها مشكلات «إلا في التفاصيل»، وهي تفاصيل تتعلق «بحقك شنو وحقي شنو؟»، وحتى الآن أخذ البعض «بعض حقه» وينتظر المزيد.. المزيد الذي قد يأتي «بسهولة جداً»- على حد قول «قوش»- بالصادق المهدي «رئيساً» للحزب الحاكم إذا ما «لبّى الدعوة» وانضم إلى المؤتمر الوطني. ü ما جعل قوش يتجرأ على طرح ذلك الاقتراح، هو الزيارة «الكريمة»- حد التبذير- التي يمم فيها السيد الصادق وجهه شطر «بيت قوش»، الذي كان أحد المسؤولين عما حاق به لأول عهد «الأنقاذ» عندما اقتيد الصادق إلى السجن حبيساً وكان قوش من قادة العُصبة المسؤولة عن التحقيق و «ما يستتبعه» مع «رجال العهد السابق». ü وما جعل قوش يتجرأ أيضاً على طرح الاقتراح، دون أن يرف له جفن، هو علمه الموثق بحكم مهنته ب«العلاقات الحميمة» بين أعيان الطبقة العليا في الحكم والمعارضة، تلك الحميمية التي جعلت زعيمي المعارضة «المُفترضة» يدفعان بابنيهما إلى القصر مساعدين أو مستشارين للرئيس.. أحدهما كان يقود فصيلاً عسكرياً في معارضة النظام والآخر صعد إلى خشبة المسرح فجأة، بعد أن أمضى سنوات عمره السابقة في مكان غير معلوم.. التحاق الأول اعتبره والده «حقاً ديمقراطياً.. وكل زول على كيفه» اما الثاني فوالده أصر على «المشاركة» برغم إعتراض قيادة حزبه عليها علناً ولسان حاله يقول «البرقص ما بغطي دقنُه». ü وما جعل قوش يتجرأ على «السيد» ويدعوه للانضمام وتسنم مقعد «الرئاسة» بالحزب الحاكم هو ما يعرفه مسبقاً ويتذكره من انضمام الرجل إلى «الاتحاد الإشتراكي» بعد مصالحة نميري في بورتسودان في سبعينيات القرن الماضي التي أثارت غضب الراحل الكبير الشريف حسين الهندي وقال فيه ما سارت به الركبان من أدبيات تؤرخ للسياسة السودانية وتؤكد تشابك مصالح الطبقة السياسية العليا وفعل كل ما يخدم تلك المصالح، دون أدنى اعتبار لهموم المواطنين البسطاء من ناس «قريعتي راحت».. فهؤلاء خارج الحساب والمحاصصة. ü ولم يكن غريباً كذلك أن يتجرأ «قوش» على تقديم عرضه، برغم عزله من رئاسة «الجهاز» وبرغم تركه «المستشارية» أو تركه منها، فهو لا يزال عضواً مهماً في «الطبقة السياسية العليا»، كما رشح من مجمل إفاداته في ذلك الحوار مع اليوم التالي.. وقطعاً «قوش» لم يندهش عندما رأى زعيم حزب الأمة «رئيس الوزراء المنتخب» يصعد إلى منصة الاحتفال ليتسلم ويتشرف باستلام «نوط أو وسام» تقدير من الرئيس البشير، وكما كتب أحدهم: فإنه ليس المدهش أن يقدم البشير على تكريم الصادق ولكن المدهش حقاً أن لا يرفض رئيس الوزراء المنتخب التكريم ممن أطاح بسلطته!! ü كل هذا وغيره من حراك سياسي و «اجتماعي» بين أعضاء الطبقة السياسية العليا، لقاءات أو تصريحات أو «مناكفات» ومطالبات أحياناً تبدو للمراقب بمثابة «مباريات أو تمارين ودية» هدفها إحماء العضلات والمحافظة على اللياقة وتنمية «المهارات» وتجنب «الإصابات» التي قد تعطل أي لاعب من أي من تلك الفرق المتحابة والتي تجمعهم المودة والرحمة والتكريم.. اللهم زد وبارك!