في التاسع من يناير عام 1982م وفي مثل يوم غدٍ ،ترجَّل الفارس المغوار عن جواده الأصيل، واستشهد البطل الشريف حسين يوسف الهندي مساءاً بفندق(خالكيرا) بالعاصمة اليونانية (أثينا) قادماً اليها من بيت الله الحرام، بعد أن أدى فريضة الحج التي كانت(حجة الوداع)، وهو في طريقة لمخاطبة أول وآخر مؤتمر لشباب الحزب الاتحادي الديمقراطي وطلابه بالخارج، وبمشاركة فاعلة من داخل الوطن على رأسها الفقيد العزيز محمد إسماعيل الأزهري، ولكن مشيئة الله لم تمكنه من ذلك برغم وصوله لليونان حيث لاقى ربه راضياً مرضياً في ذلك المساء. ليفجع كل العالم وكل أهل السودان بالمصاب الجلل،الذي أحدث دوياً في وسائل الإعلام العالمية، باعتباره سياسياً بارزاً ومفكراً وزعيماً للمعارضة ا لسودانية من أجل استراداد الحرية والديمقراطية لشعبه، بجانب مهاراته المتعددة في دعم ومساندة كل حركات التحرر في العالم، وعلى وجه الخصوص في أفريقيا، مما جعل تكريمه يأتي من عند الله، بأن صلى المسلمون على جثمانه الطاهر في ثلاث قارات باليونان في أوربا، والعراق في آسيا، وليبيا في أفريقيا حتى الخرطوم التي خرجت عن بكرة أبيها لاستقباله، وكل قرى الجزيرة المحبة للفقيد، والمرتبطة بنضالاته ومواقفه الإنسانية، إلا نظام جعفر نميري الذي أصابه الفزع والهلع حينما حطت الطائرة في مطار الخرطوم، حيث طُوِّق المطار ، ومدينة بري الشريف، بالدبابات والعربات المصفحة خوفاً وجزعاً من ذلك الجثمان المسجي!!! الذي هزَّ أركان النظام المايوي ميتاً وحينما كان حياً..وبالنسبة لنا نحن المتواجدون بمدينة (لندن) نزل علينا خبر وفاته كالصاعقة المدوية القاتلة في تلك الأمسية الجليدية الباردة، حيث الدموع والصمت الذي أخرس الجميع إلى أن تجمعنا في(البيت الكبير) الذي كان داراً لرابطة الطلاب الاتحاديين بالمملكة المتحدة وإيرلندا، وفيها كان العزاء واستقبال المعزيين من السودانيين والجاليات العربية، وكان عليه رحمة الله قد ولد في منتصف عام 1924م، ورعاه وأشرف على نشأته خاله الأستاذ أحمد خير المحامي أحد مؤسسي مؤتمر الخريجين إلى أن أكمل الشريف دراسته الجامعية بكلية فكتوريا التي زامله فيها الإمام الهادي المهدي، ومن الدول العربية الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، والملك حسين بن طلال عليهم الرحمة جميعاً .. وفي عام 1957م اقتحم الشريف العمل السياسي بعد فوزه عن دائرة(الحوش) في الإنتخابات البرلمانية ممثلاً للحزب الوطني الاتحادي، وبعد انقلاب عبود في عام 1958م هاجر إلى القاهرة، التي صنع فيها صداقات مع العديد من رموزها السياسية والفكرية وعلى رأسهم الرئيس جمال عبد الناصر، والمفكر عباس محمود العقاد، إلى أن عاد للسودان بعد ثورة اكتوبر 1964م وأصبح وزيراً للري في الديمقراطية الثانية، ثم وزيراً للمالية حتى الإنقلاب المايوي في عام 1969م، ليخرج من السودان إلى (أثيوبيا) معارضاً إلى أن تكونت الجبهة الوطنية في (ليبيا)، والتي كانت تضم بجانب الحزب الاتحادي الديمقراطي، جماعة الأخوان المسلمين، وحزب الأمة، وشارك وخطط للثورة الشعبية المسلحة ضد النظام في يوليو 1976م، واستمر قائداً وحيداً بحزبه للمعارضة، بعد مصالحة السيد الصادق المهدي، والدكتور حسن الترابي للنظام المايوي.. يتبع.