بما أن جمهور الطلاب كان من رواد السياحة في البلاد وعلى وجه التحديد السياحة الداخلية، من خلال الرحلات التي تنظمها المدارس فيما مضى لطلابها من أجل زيارة مديريات السودان المختلفة، وحيث أن سياحة الطلاب وسياحة الشباب وسياحة الأشبال التي ظهرت مؤخراً تحظى باهتمام بالغ من قبل البلدان المتقدمة، بحسبان أن جمهور تلك السياحات هم قادة المستقبل الواعد، من البديهي أن تتصدر السياحة الرياضية والثقافية قائمة السياحات الجماهيرية التي تتسابق عليها وتتنافس حولها كل بلدان العالم لاستضافتها من جراء مردوداتها الايجابية اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وإعلامياً وتربوياً وصحياً وسياسياً، ونظراً لأن السياحة أداة ووسيلة للتواصل الإنساني والحوار بين الحضارات وتلعب دوراً مهماً في تحقيق السلام العالمي والاقليمي والمحلي، وتقوم بدور إيجابي في تعزيز الوحدة الوطنية، والحد من الفقر وتحقيق التوافق الاجتماعي، فهذا يعني أن السياحة هي صناعة المستقبل الواعد والمستدامة، لأنها لا تتطلب مادة خام لتصنيعها، ولهذا السبب وغيره احتلت صناعة السياحة المركز الأول في قائمة الصناعات المفضلة لدى المستثمرين وبيوت التمويل، لأن السائح يدفع فوراً وأحياناً مقدماً مقابل اي خدمة تقدم له ولا تدخل في ذلك سلحفائية السداد المتبعة بالنسبة للصادرات الأخرى زراعية كانت أم صناعية أم حيوانية، لأن هذه الصادرات تخضع لاجراءات طويلة ومعقدة كالشراء والتخزين والشحن والتفريغ والفحوصات المعملية وغيرها من الاجراءات، مما جعل خبراء الاقتصاد يقيمون الدولار الناتج من النشاط السياحي باثنين ونصف دولار مقابل الدولار الناتج من الصادرات الأخرى، هذا يؤكد أن السياحة في عصرنا الحالي لم تعد ترفاً أو مضيعة للزمن- كما كان ينظر اليها في الماضي القريب والبعيد- بل صارت الحاجة الرابعة في البلدان المتقدمة بعد المأكل والمشرب والمسكن.. أما في البلدان النامية والأقل نمواً فقد صارت رافداً من روافد الدخل القومي، وإحدى مدخلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث أن قيام مشاريع التنمية يرتبط بوجود الخدمات السياحية اللازمة لاستقبال واستضافة الخبراء والمهندسين والفنيين الذين يتولون انفاذ المشاريع المختلفة، وهي تشمل خدمات الايواء والنقل السياحي، بالإضافة الى المحلات العامة ووكالات تنظيم السفر وغيرها. صارت السياحة في العصرالحالي أداة تثقيفية مهمة ووسيلة للتعرف على حضارات وثقافات الشعوب وأنماط معيشتهم وتراثهم الشعبي بما فيه من العادات والتقاليد والفنون والصناعات اليدوية والمأكولات والمشروبات والأزياء والألعاب الشعبية وغيرها من المعارف التي يلم بها السائح من خلال تواجده في أي بلد.. والسياحة بجانب دورها الرئيسي في توفير العملات الحرة التي ينفقها جمهور السواح خلال إقامتهم في أي بلد وتتيح هذه العملات الحرة الفرصة للبلد المستقبل استيراد الأدوية والأسمدة والآليات والمعدات وقطع الغيار ومستلزمات البناء وغيرها.. فالسياحة تلعب عدة أدوار أخرى بخلاف الجانب الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي أشرت اليه آنفاً كدور السياحة في المجالات الإعلامية والتربوية والصحية والسياسية، ولكل هذه الاعتبارات أخذت بلدان العالم تتسابق وتتنافس حول تنمية وتطوير وازدهار السياحة من أجل تحقيق الغايات المرجوة. السودان يصنف بأنه قارة افريقيا المصغرة، حتى بعد انفصال الجنوب حيث أنه يمثل رصيداً سياحياً ضخماً ومتنوعاً بل تمثل كل ولاية من ولاياته قطراً بأكمله من حيث توفر الموارد والامكانات السياحية من آثار ومواقع تاريخية وحياة برية ونهرية وبحرية، وتراث شعبي ثر ومتنوع وجماليات طبيعية.. وساحل البحر الأحمر، والمصايف، ومناطق العلاج الطبيعي، ونهر النيل الذي كتب عنه الاسكتلندي ألان كلارك كتابه الذي يوضح بأنه يستأثر بثمانية عجائب لا تتوفر في غيره من أنهار وبحار البسيطة وهي: أطول نهر في العالم ملتقى نهرين عند بدايته جزر وشلالات تعترض مسيرته ممالك وحضارات ومواقع تاريخية على جانبيه خضرة وغابات تكسو شاطئيه صحراء تحيط به شرقاً وغرباً، جبال وتلال ووديان تنتشر حوله ينابيع مياه كبريتية بالقرب منه- هناك أيضاً موقع السودان الاستراتيجي المتميز ومجاورته لسبع بلدان افريقية.. هذا يعتبر إضافة ثرة حقيقية للموارد والامكانات السياحية التي يزخر بها السودان، حيث تتيح تلك الأوضاع تنمية وتطوير السياحة البينية مع دول الجوار، وتهيئ لجمهور السواح الدخول والخروج عبر النقاط الحدودية المشتركة. وعليه نأمل أن تشهد فعاليات الدورة المدرسية بولاية النيل الأزرق مطلع الأسبوع المقبل والدورات المدرسية القادمة، وجوداً للسياحة من خلال محاضرات وندوات وعروض أفلام سياحية وغيرها تجعل جمهور الطلاب من مختلف الولايات يتعرفون على كنوز بلدهم السياحية، ويلموا بأدوار السياحة في مختلف المجالات.. وبالتالي يشبوا متشبعين بحب الوطن والدفاع عن أراضيه ووحدته وموارده السياحية الكثيرة والمتنوعة، التي أجمع الخبراء الأجانب الذين زاروا السودان بعد الاستقلال على أنها في حالة استثمارها واستغلالها بطريقة مثلى ستجعل السودان في مقدمة البلدان السياحية في القارة السمراء. أخيراً نأمل من قيادات العمل السياحي التخلي عن الصراعات حول المصالح الشخصية، والسعي الى الأسفار لحضور المعارض والمؤتمرات والحج السياحي، وإعطاء النشاط السياحي نصيبه من الوقت والاهتمام بالتوعية السياحية والترويج العلمي الفاعل للسياحة السودانية، لأن كل يوم يمر دون ذلك تفقد فيه البلاد ملايين الدولارات. والله الموفق. üخبيرسياحى