استطاعت الاستراتيجية السورية الصمود في وجه أعتى العواصف السياسية خلال العقد الماضي ، وبقيت الأهداف الأمريكية تتأرجح بين الاستراتيجية والتكتيك، فقدشكّل اللقاء الرسمي الأول من نوعه منذ العام 2007 بين وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ووزير الخارجية السوري وليد المعلم في نيويورك على هامش الاجتماعات السنوية للأمم المتحدة نقلة نوعية في سياق العمل على إعادة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها، ووفق المعلومات الرسمية فإن المواقف التي أبلغتها الوزيرةالأمريكية هيلاري كلينتون للوزير السوري وليد المعلم حول لبنان تمحورت حول الأمور التالية: آ :عبرت الإدارة الأميركية عن القلق إزاء إستمرار ما وصفته بالأنشطة السورية في لبنان، وعلاقة سورية مع حزب الله، من دون الكشف عما دار في هذا اللقاء حول هذه النقطة بالتفصيل. ب :في إشارة إلى أعمال العنف في لبنان والقلق من وقوع المزيد من هذه الأعمال، رفضت الولاياتالمتحدةالأمريكية أي أعمال من أي جهة كانت تهدف إلى تقويض الإستقرار في لبنان. ج :ومن القلق من حصول أعمال عنف في لبنان، تطرقت الوزيرة الأميركية في نقاشها مع الوزير السوري إلى المحاولات لإسقاط المحكمة الدولية، وهنا أبلغت الوزيرة هيلاري كلينتون وزير الخارجية السوري وليد المعلم أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تجدد دعمها للمحكمة الخاصة بلبنان، وأنها تعتبر أن هناك ضرورة لعدم التدخل في شؤون هذه المحكمة وبالتالي تسييس عملها. د :إنطلاقاً من هذه المواقف كررت الوزيرة هيلاري كلينتون إلتزام الولاياتالمتحدةالأمريكية بمواصلة دعم السيادة اللبنانية، وبالتالي العمل مع الحكومة اللبنانية على تقوية ودعم مؤسسات الدولة في لبنان، وسط إقرار مصادر دبلوماسية أميركية بالدور الأساسي لسورية في إطار جهود تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط. فقد لاحظت مصادر متابعة في العاصمة الأميركية أن الإدارة الأميركية الحالية حافظت على وتيرة هادئة في العلاقة مع سورية وسط إستمرار مساعيها نحو الوصول إلى إعادة ترتيب هذه العلاقة ،بما يضمن مزيداً من التنسيق بين البلدين حول عدد من القضايا ذات الإهتمام المشترك، وتعتبر هذه المصادر أن الدبلوماسية الأميركية سلكت، ولا تزال نهجاً، ثابتاً في إطار رسم سياستها مع سورية من خلال الإقرار أولاً بضرورة إبقاء قنوات الإتصال مفتوحة بين البلدين، وثانياً التأكيد على أن وسيلة الإتصال هذه تبقى الأفضل من أجل التوصل إلى تفاهم مشترك حول كل القضايا موضع الخلاف والتباين بين البلدين،ولهذه الأسباب كان لافتاً ما أعلنه المتحدث بإسم الخارجية الأميركية فيليب كراولي أن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أبلغت الوزير وليدالمعلم برغبة الولاياتالمتحدةالأمريكية بالإسراع في عملية إرسال السفير الأميركي المعين روبرت فورد إلى سورية في أقرب وقت ممكن، وبحسب المتحدث بإسم الخارجية الأميركية فإن المحادثات السورية الأميركية تركزت حول موضوعين إثنين وهما عملية السلام وقضية لبنان. وحول الموضوع الأول تشير المصادر الدبلوماسية إلى أن الزيارة الأخيرة للمبعوث الاميركي جورج ميتشل إلى سورية، وإجتماعه مع الرئيس بشار الأسد شكلت عاملاً مشجعاً لإعادة اللقاءات الرفيعة بين البلدين، وتكشف المصادر أن إجتماع جورج ميتشل مع الرئيس بشارالأسد كان إجتماعاً جيّداً، حيث أن سوريا تلقفت بإيجابية حرص الإدارة الأميركية الحالية على إطلاع القيادة في سورية على مسألة إنطلاق المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، ومن هذا المنطلق لم يسمع المبعوث الأميركي أي موقف سلبي من الرئيس السوري حول إنطلاق هذه المفاوضات، من هنا إعتبرت المصادر الدبلوماسية أن إيجابية اللقاء في سورية شكلت الحافز لتحديد عقد اللقاء الرسمي بين الوزيرة الأمريكية هيلاري كلينتون والوزير السوري وليد المعلم، وأن الولاياتالمتحدةالأمريكية تكون بذلك كرست موقفها القائل بأن الإتصال والحوار مع سورية سيفسح المجال أمام إعادة إحتمال حصول تطور نوعي في تحسين العلاقة بين البلدين، ومن هنا تكشف المصادر المتابعة أن الهدفين اللذين تسعيان الولاياتالمتحدةالأمريكية من وراء إعادة قنوات الإتصال مع سورية وعلى مستويات عليا يتلخصان وفق التالي: آ :تشجيع سورية من جديد على الإنخراط في عملية السلام، وبالتالي إعادة تحريك المسار السوري الإسرائيلي ، ما يعني ذلك من فوائد ستجنيها سورية على صعيد إعادة تكريس دورها كلاعب رئيسي في ملف الشرق الأوسط، وأيضاُ الفائدة التي ستجنيها سورية من خلال الوصول إلى إعادة تطبيع العلاقة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية بسبب موقفها الإيجابي من السلام. ب :تسعى الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ مدة، ولا تزال إلى فك التحالف السوري الإيراني لأسباب شتى، منها العمل على إعادة سورية إلى منظومة العمل العربية، وعدم إتكالها على التحالف مع نظام الرئيس الايراني الحالي محمود أحمدي نجاد، وفي المقابل تحاول الولاياتالمتحدةالأمريكية أيضاً فرض مزيد من العزلة على النظام الإيراني من خلال تقليص مساحة علاقاته الإقليمية والدولية. وبسبب هذه الأجواء كشف المتحدث بإسم الخارجية الأميركية فيليب كراولي أن الوزيرة هيلاري كلينتون عرضت مع الوزيروليد المعلم السبل الكفيلة بإعادة إطلاق عملية السلام على المسار السوري الإسرائيلي،ولاحظ أن المسؤولين السوريين توقفوا بإهتمام عند ما طرحته الوزيرة هيلاري كلينتون أمامهم،وفي هذا السياق أيضا، ستتواصل المحادثات الأميركية السورية التي بدأت في نيويورك من خلال الزيارة الرسمية التي يقوم بها نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى واشنطن يومي الأربعاء والخميس، حيث يعقد سلسلة لقاءات مع كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية تتناول متابعة البحث بالقضايا المشتركة بين البلدين. الموقف حول لبنان والعراق أما البند الثاني الذي شكل الدافع لعقد اللقاء بين الوزيرة هيلاري كلينتون والوزير وليد المعلم فكان كل من قضية لبنان والعراق، ومن هنا تعتبر المصادر الدبلوماسية أن تبايناً لا يزال قائماً بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وسورية حول كيفية النظرة إلى لبنان والعراق، بحيث بات مؤكداً أن الإدارة الأميركية الحالية التي تعمل على تحقيق التقارب مع سورية، والتي تقرّ بدورها المهم في المنطقة، إلا أنها لا تزال تختلف معها في شأن الملف اللبناني والملف العراقي ،وفي هذا الموقف تقول المصادر إن الدبلوماسية الأميركية في عهد الرئيس باراك أوباما لم تشهد تغييراً جذرياً عما كانت تسلكه الدبلوماسية في عهد الرئيس السابق جورج بوش إزاء لبنان والعراق لجهة إطلاق المواقف الداعمة لسيادة وإستقلال لبنان ،ولتحقيق الإستقرار في العراق، ومن هنا يأتي الموقف الرسمي الذي أعلنه المتحدث بإسم الخارجية الأميركية فيليب كراولي في أعقاب لقاء كلينتون المعلم لجهة أن المحادثات بين الوزيرة هيلاري كلينتون والوزير وليد المعلم تناولت أموراً عدة حول الملفين اللبناني والعراقي بما يعكس الموقف الأميركي المتكرر من هذين الملفين، لكن المصادر الدبلوماسية كشفت أن الوزيرة هيلاري كلينتون أرادت تأكيد ثوابت السياسة الأميركية تجاه لبنان أمام وزير الخارجية السوري لأسباب عدة منها، تجديد القلق الأميركي من إستمرار العلاقة بين النظامين في سورية وإيران، وبما ينسحب ذلك من قلق إزاء علاقة سورية مع حزب الله، وبالتالي تعتبر المصادر أن اللافت أيضاً هو تسجيل أول موقف أميركي رسمي حول المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في ضوء السجالات حولها في لبنان. *دمشق آخر لحظة