كعادته وبإقتضاب ودون تفاصيل ، هاتفني الأخ الصديق عمر العشي الناشط الثقافي والإجتماعي المعروف ليدعوني لحضور فعالية ثقافية بالنادي العائلي، وعندما سألته عن موضوعها أجابني (إحتفاءاً بفيلم سينمائي تاريخي قديم) .. ثم كان أن أكدتُ له حضوري، وحضرتُ في الزمان و المكان المُحددين لأكتشف العجب العُجاب، أول أوجه الإستغراب أن إكتشفت مدى جهلي والكثيرين من النقاد و أصحاب الصِلة بالفنون والثقافة عموماً، بفن وتاريخ الحركة السينمائية بالسودان و التي إتضح لي بما لا يدع مجالاً للشك أنها مظلومة من حيث ما آل إليه أمر رعايتها و إدارتها و من حيث إهمال تسجيل تاريخ نهضتها المزدهرة قبيل مطلع السبعينات من القرن الماضي ، حيث قد بدا لي جليّاً أن هناك رجالاً و نساءاً في السودان قد لازموا حلماً بأن يكون للسودان إنتاجاً سينمائياً جاداً يحاكي ما جاورته من بلدان ، و قد أقدموا بجرأة و عزم على تحقيق هذا الحلم رغم الكبد و ضيق الإمكانيات فأثروا الساحة بما يفيد أن منتوجنا من العمل السينمائي لم يكن (صفراً) .. كما كنا نعتقد ، بل فيه الكثير من المثير المُضئ الذي وجب أن نفتخر به .. (آمال و أحلام ) ..فيلم سينمائي إجتماعي سوداني مائة بالمائة مدته ساعتين .. تم إنتاجه و إخراجة و إدارة أعماله الفنية بواسطة العلامة الفنان القدير/ الرشيد مهدي عثمان عشي ..الذي يبدو أن فن السينما قد خلب أفكاره في ذلك الأوان الذي كانت فيه دور العرض السينمائية هي أحدى معاول المعرفة الثقافية و إحدى قنوات التواصل الفكري للأمم .. 46 عاماً مرت منذ أن تم تدشين العرض الأول لهذا الفيلم السينمائي السوداني الباذخ بفنياته و فكرته و حبكته الدرامية (1968 ) ، و مازالت السينما السودانية تئن موجوعة من وقع إهمال الدولة و المختصين و بنيها الذين بدأوا أول لبنات بنائها ثم ما لبثوا أن فروا منها هاربين ، لهم عذرهم فهم لم يفروا عن ضعف عزيمة و لا قلة خبرة و لا إنعدام إبداعِ و فكرة ، ولكنهم علموا علم الموقنين أن الإنتاج السينمائي إنما هو صناعة ضخمة لن تقوم إلا بتكاتف جهود الدولة مع أهل الإختصاص والخبرة و المستثمرين فيها .. ولما كانت السينما هي إحدى أدوات البث الثقافي والفكري والتي يمكن بواسطتها أن تكسب الشعوب صولات وجولات في مجال بسط النفوذ الفني والثقافي ..كان لا بد أن نبكي ولو قليلاً على الأطلال ، أو على ما آل إليه حال السينما في السودان(آمال و أحلام ) .. فيلم مكتمل في صفاته الفنيه والتقنيه .. حبكة درامية لم تهاب الخوض في واقع المجتمع الحضري و القروي بالستينيات، وثقت لأوجه الخدمة المدنيه و الطبيه و الأهليه و الإتصالات والسكة حديد وغيرها من مميزات السودان الحضارية آنذاك ..تصوير مكتمل الزوايا و حاد الرؤيا ، إضاءةٌ مدروسة و متوافقة مع الرؤى الإخراجية للمشاهد .. ديكور وملابس ..تعبر بالفعل عن تلك الحقبة المجيدة من تاريخ السودان ..أما الممثلين فقد أجادوا وأبدعوا ...رحم الله الفنان العلامة الأستاذ/ الرشيد مهدي عشي فقد أعادنا إلى زمان تمنينا لوعشناه.