لقد كنت أود أن يكون عنوان مقالتي هذه «حكاوي أم درمان»، وهو الكتاب الشيِّق الذي ألَّفه شوقي بدري أحد أميز أبناء أم درمان الذين تنضح قلوبهم بحبها.. ولم ألاقي في حياتي كاتباً يحب مدينته مثلما يحب شوقي بدري مدينته الأثيرة أم درمان.. واعتقد أنه قد فاق كل الذين كتبوا عنها بمحبة وشغف عبر تاريخها الطويل. شوقي بدري العبقري في مسلكه وفي حياته وفي واعيته وحافظته وذاكرته المدهشة، يجعلك تتسمر من الدهشة حول ذلك العالم الثر.. وحول تلك الشخصيات والمعالم التي لا يتقنها إلا ابن أم درمان الأصيل بحس وطني قومي إنساني راق جداً.. يشبه البيئة التي خرج منها شوقي بدري كابن لأحد زعماء الوطنية، بل أحد رموز الوطن الذي انحاز منذ يومه الأول إلى جماهير الشعب العظيم الأبي عبر حزبه الوطني الكبير «الحزب الجمهوري الاشتراكي».. وهو من ناحية أخرى حفيد لأبي التعليم في السودان، فجده الكبير بابكر بدري أحد زعماء الإصلاح في هذا الوطن، بل في عالمنا الإسلامي كله. لقد تعودت في حالات كثيرة أن أضن بكثير من قراءاتي على الآخرين، وأنها لي وحدي، ولكن هذه المرة أحسست أن شوقي بدري فتح أمامي باباً عجيباً لدروب وحواري و شخصيات أم درمان.. ولا اعتقد أن هناك شخصاً يستطيع تصوير هذا العالم كما صوره الكاتب القدير شوقي بدري.. حيث تناول أم درمان في فصول تدور كلها حول الناس الذين كونوا وجدان هذه المدينة من كبس الجبة إلى قدوم دوش السخيل وآدم قطية.. ومن الطريف أن شوقي أجاب تساؤلى عن آدم قطية الذي كتبت عنه منذ خمسة عشر عاماً.. والذي صادقته مثل شوقي بدري تماماً في أخريات حياته.. وعرفت من شوقي بدري الظروف التي جعلت من آدم قطية المجرم الخطير بكل هذه الدماثة. شوقي بدري ينتمي إلى أسرة مدهشة قدمت بابكر بدري وخضر بدري وعبد الكريم بدري «العم» وأحمد بدري القاضي الخطير وأحمد بدري نقيب أطباء السودان والوطني الفارس الزراعي الكبير الصادق بدري.. وبطبيعة الحال عمنا العميد يوسف بدري وعلى رأس قائمة المعاصرين أبو الشنقيطي إبراهيم بدري، وكل هؤلاء بالنسبة لي منذ الصغر وميعة الصبا والشباب أهل وعشيرة وآباء عطوفون.. في حينا العتيق حي البوستة، وفي فريقنا الخالد فريق الشيخ دفع الله وفي شارعنا العتيق «شارع الجعليين» الذي يتوسط حينا حي الرباطاب.