بين المثقف والسلطة علاقة متباينة ...تظهر احياناً جلية ومتوازية، ومرات اخرى تبدو متوارية وخفية...وايضاً تبدو حادة في بعض الأحيان..المثقف العالم بأمور الدنيا الواعي بما حوله، المبدع الذي يصوغ ابداعه لمعالجة سلبيات الواقع الذي حوله ويجعله ممكناً...المثقف الذي بوعيه يراهن على حل اشكالية الأسئلة الاجتماعية المعقدة، متلمساً العلاقة الجدلية بين الخاص والعام، على ضوء واقعه الجديد...هذا هو المثقف الذي نريد ..المثقف المتعالي والمتسامي على الخطابات السياسية والآيديولوجية المباشرة ، والارتهان للسلطة والتماهى معها.. لكن السؤال- كيف يمكن لهذا المثقف الفكاك من براثن سلطة السياسي الذى لا يتركه يتحرك ويقيده بآيدولجيته التي يجترحها على المجتمع، وكيف لهما أن يؤسسا علاقة متوازنة غير مشاكسة لمصلحة الوطن..؟ ويديران حواراً ثقافي يستوعب كل منهم الآخر في هذا الإطار وفي إطار البحث عن مرتكزات للسلام المجتمعي.. وفي شأن الاحتكام لمرجعية متفق عليها ثقافياً..وفي شأن الخروج بالمجتمع من حالة الفقر والحرب الى الابداع والانتاج.. وفي شأن انعاش الهوية السودانية التي يجب أن تتعايش مع بعضها البعض، جاء لقاء وزير الثقافة الأستاذ الطيب حسن بدوي مع «جمع» من أهل الثقافة في اطار الحوار الثقافي التفاكري الأول، فكانت الإفادات ساخنة بقدر أهمية الموضوع... وطرحت الأسئلة لتتفتح بوابات للإجابات عن كيف ومتى ولماذا الثقافة..؟ وما مدى العلاقة بين السلطة والمثقف..؟ وماهي المواعين والقوانين اللازمة (آخر لحظة) حقققت في الأمر فكانت هذه الأراء المتباينة . جدلية العلاقة وخطوط التوازي الوزير بدوي يشير إلى محاور رئيس الجمهورية ويوصفها بأنها في الأصل محاور ثقافية، وأن المشروع الثقافي متقدماً، وبهذه البداية تظهر لغة السلطة والسياسية منذ بداية الحوار، رغم أن الثقافة هي تفاصيل حياة الناس سواء كانت سياسية أو أجتماعية أو اقتصادية، لكن التداخلات هي التي تحدد مدى نجاعتها من عدمه.. وهذا ما اشار اليه الشاعر محمد يوسف موسى في مداخلته عن سيطرة الدولة على الثقافة، وعدم وجود مواعين تسع الجميع، كذلك ضعف الميزانيات لدعم الثقافة. فيما ذهب الفنان محمود الحاج رئيس اتحاد فن الغناء الشعبي الى ان الحوار الثقافي ينبغى أن يرتكز اولاً على المناهج التي يمكن أن تنتج لنا أجيالاً متشربة بالثقافة حتى لا تتوه في المستقبل أو تستلب من قبل الآخرين.. ويضيف من جانبه الفنان التشيكلى حيدر إبراهيم في جدلية الحوار الثقافي أن الهوية هي التي توضح العلاقة مابين الجميع حتى ينتجوا أعمالاً ابداعية تعيد توزان المجتمع.. ويشير آخرون الى الموسيقى والكتاب والصحافة بينما يفند الكاتب عبدالله خاطر الحوار بأن الدولة عادت واعترفت بأن للثقافة أهمية بدلاً عن وصفها بالدغمسة، وأن مشكلات السودان في الأساس ثقافية طغت عليها السياسة.. حيث جيرها لمصلحة آيدلوجيته وحاصرها بكتم الحريات وهكذا من خلال الجدل والحوار يتضح مدى الهوة مابين الجميع.. وكل يرفع لافتته في مجال الثقافة، ويوجه سهام نقده للدولة التي لم تحسن العلاقة مابينها ومابين المثقف ... استحقاقات ومطلوبات الثقافة المسرحي والناقد والكاتب المعروف السر السيد قال إن خطاب الرئيس وحديثه عن الهوية وتداخلها مع الفقر والفساد والتمكين أثر على مطلوبات أهل الثقافة حتى تتاح لهم الحرية في التعبير بأي شكل ضد ماهو خاطيء في حين ذهب د.صالح عبدالقادر رئيس قسم الدراما بجامعة النيلين الى أن الحديث عن الهوية هو حديث كبير.. عن ازمة سياسية وليست ثقافية وفي ذات السياق مضى الممثل محمد عبد الرحيم قرني وطالب الدولة باعتذار رسمي لانها بفعلتها السياسية اقصت الثقافي عبر سياسة التمكين وتشريد العديد من المثقفين حينها في بداية تطبيق سياسة التمكين في مجال الثقافة وقال إن الاتحادات الآن ليست مطلبية، وأن لديهم حقوقاً لدى الدولة التي سلبتهم لها، بتدخلها السياسي بفصلها للعديد من المثقفين، ورهن اجراء الحوار الثقافي بتحقيق هذه المطلوبات من الحريات للعمل.. واضاف رغم ذلك نحن ماضون بمشروعنا الثقافي، ولم نتوقف، نافياً انتماءهم كمثقفين الى الى جهة سياسية.. مشيرًا بأن رسالتهم هي الثقافة وطابقه في القول الدكتور محمد المجذوب أستاذ العلوم السياسية جامعة النيلين بأن تهميش الدولة وتدخلها السياسي أضر بالثقافة، ودعا الى تحجيم دور الدولة في الثقافة، وترك الامر للمثقفين وعضد رأيه الوزير الأسبق للثقافة عبد بالباسط عبد الماجد الذي قال إن وزارة الثقافة لا تنتج ثقافة بل المعني بانتاج الثقافة هم المثقفون وأن مشكلة الهوية ليس في (جدل الهوية) بل في عدم بسط الحقوق وإدراة التنوع في المجتمع... مشيرًا الى ضرورة اعتراف الدولة بالمثقفين، واتاحة الفرصة لهم بإقامة منتدياتهم وجميعياتهم الفكرية دون حجر أو تعطيل في المقابل كشف وزير الثقافة الاتحادي الأستاذ الطيب حسن بدوي في حواره مع الزميلة «الانتباهة »عن ما دار بينه وبين المثقفين من خلال لقاءات كثيفة تمت في الآونة الأخيرة لمراجعة وتقييم الأداء الثقافي والإبداعي في البلاد ومطلوباته، قائلاً في حديثه ل «الانتباهة»: لقد لمست حالة من الإحباط رغم الاستعداد للعطاء والتفاعل متوفراً لدى المبدعين وهذا يفسر الحديث بخروج الهواء الساخن والاسئلة الاكثر سخونة والتي اخرجها المبدعون والمثقفون في الحوار الثقافي لتبقى في حقيبة الوزارة التي تمثل الدولة ... أسئلة الثقافة والبحث عن اجابات اذًا السؤال كيف هي صورة المثقف الذي نريد..!؟ أوالذي ينبغي أن يكون ؟؟ وعلاقته بالمجتمع والسلطة ؟؟؟؟؟ وعلى كل بعد هذا الحوار الثقافي والذي أثار جدلاً حول علاقة السلطة بالمثقف، وطرح العديد من الأسئلة لتبقى الحقيقة بأن الشاهد اليوم على مسرح الحياة على خارطة الوطن ...يرى أن كل أنواع العلاقة مابين المثقف والسلطة متواجدة في الاطار العام لصورة المجتمع، فالبعض من المثقفين استسلم تماماً للسلطة وجبروتها، وصار أداة في يدها وصار مرتزقاً يقتاد من يدها.. وركن إليها بعد أن روضته على الفكر الرمادي والتموضع في ظلها لكبح جماحه الفكري، ومقيدة له بسطوة المال والاغراءات الاخرى المتعلقة بالمناصب الجوفاء ...بالتالي تحيده تماماً عن دوره المنوط به كمثقف تجاه المجتمع ...والمثقف هنا يتلاشى دوره وينخرط في درس السلطة ...والتي تستخدمه كأداة لها تاريخ محدد ثم ترمي به بعد أن يؤدي دوره المطلوب.. مع أن المثقف هنا يظن انه هو من يستخدم السلطة لتحقيق أهدافه فيتحول الى انتهازي وبالتالي يتوه ويصبح مسخاً و تابعاً لشلة أو جماعة تقوم فيها المصالح بدور المباديء والفعل الايجابي...وتصبح (انا) المثقف...أنا مهترئة يقودها عجزها الداخلي الى ضرورة خارجية تأكل من كل الأيادي الممدوة لها وتأكلها وتسقط تحت وقع ضرباتها....رغم أن المثقف هو المبدع الحقيقي هو الذي يجسد مسؤوليته الابداعية داخل مسؤولية قضايا شعبه الوطنية والفكرية والثقافية.. ويوظف مساهماته الإبداعية والتوعوية...من أجل التغلب على مختلف الصعوبات التي تواجه حركة التغيير والإبداع الثقافي والانساني في المجتمع وهو.. صوت أمته ويجب ألا يختنق بالنفس الضيق ..بل عليه أن يسافر في محبة الوطن والآخريين.. وأن يسمو فوق جبين الشمس.. ويتجاوز قصر النظر.. ويجعل من ساحات الظلم واحة للصمود والتحدي.. وأن لا يكون باحثاً عن سلطة «قاصرة» تحكم بين الناس بالهوى ...وهو صاحب الفكر والتغيير بإبداعه الذي يحدد اتجاه الحدث ومسيرة النجاح ....هذا هو المثقف الذي نريد.. وهذه هي الصورة التي نطلب...وهذه هي العلاقة التي ينبغي أن تنشأ بينه والسلطة...!!