مدخل أول: هكذا الدنيا.. تعلمنا فهل بعلومها نعلم.. وهل من عاش في الدنيا سعيداً كان أو معدم تنادي بسرها فجراً ونال بقدرها مغنم.. وهل في حصادها مرقى ومن أحوالها نرحم.. تقول سوالف الأحسان سلوا الإيمان إن شئتم عزيز القلب لا يسئم. هي الدنيا تعالو نخوضها عقداً نقلبها كما نرغب.. نزينها بما نرضى فهل في جوفها مطلب.. نعيش مدارها سلوى.. وقلب نبضه الأخرى.. من الإيمان أنشودة.. من الأصفاء أغرودة إذا غابت محاسننا رأينا الود لا ينمو ولا يختم. أقول ما جاء في مطلع القول.. دوافعه مرافئ التداخل الحسي وأنا التمس صدق التوافق الصوفي في ديار أهل الطريقة البرهانية.. وهم في هذه الأيام يعيشون في أجواء مفعمة بعبق الذكرى للشيخ الجليل مولانا العارف بالله محمد عثمان عبده البرهاني وإبنه الشيخ إبراهيم .. حيث بدأت مراسيم حولية الإمامين من23/ مارس الماضي.. وأختتمت في 3/ أبريل تحت شعار (أدِّمْ عِزّنا بوصلك نحيا) وطوال هذه الأيام كانت المشاهد جزلى عبر ليالي الذكر والأنشاد والدروس في منهج التصوف القويم.. قد أدهشني هذا التلاقي الرفيع، ومن كل حدب وصوب قوم أتقياء تزينهم المحبة المطلقة، وتكسو ملامحهم إنارات وإضاءات تفرض على المتابع أن يصبو إلى مطالعهم بقلب ندي الوجدان.. وسريرة النفس ترتقي إلى مرتبة الترغيب لمعرفة هؤلاء القوم المتآلفين.. المترابطين .. تتوسطهم تلك الأوراد المشعة بقراءات تؤكد عمق التصوف. الطريقة البرهانية هي سهم مضيء شق قلب الراغبين في بلاد لا تعترف بالإسلام في زمان غير بعيد، جالبة تطويعهم بشهية منفتحة فكان الوعد ذاك التدفق في عهد مولانا العارف بالله الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني، وقد كنت أحد الجالسين في دروسه بزاوية الخرطوم (3) في نهاية السبعينات من القرن الماضي.. فقد كانت دروسه هي إرتقاء للروح بل تتجسد فيها الرؤية المنتظره بدوافع جلها إيمانيات جاءت من رجل أجتهد وثابر.. حتى أطلق عليه (فقير البحر) من شيوخ وصفاء عارفين في زمان غير هذا الزمان. إن الاحتفال بهذا الشيخ الجليل وإبنه شيخ إبراهيم وبتلك الحشود المتعددة.. يؤكد أن هناك حصاداً دينياً سليم الأركان ثابت البنيات عالي المقام، نثر الدين لتكون الطريقة البرهانية هي الأحق بنشر الدين في بلاد العجم. أقول إستمعت جيداً للشيخ «أبوهريرة» المسؤول عن أعلام هذه الدائرة.. وهو يحدثني عن إنتشار الطريقة في أوربا... مؤكداً أن هناك (28) زاوية في المانيا وثلاثة في إيطالية.. فرنسا.. الدنمارك.. السويد.. بلجيكا.. ولندن.. وأمريكا.. وفي باكستان.. أكثر من زاوية وأكثر من مائة زاوية ومسجد في السودان.. مؤكداً لي أننا نستقبل كل هذه الوفود القادمة من أوربا وهم في نشوة وإسعاد للاحتفال بحولية الإمامين التي تأتي هذا العام تحت شعار (أدِّمْ عِزّنا بوصلك نحيا) من ديوان شراب الوصل للإمام فخر الدين ذي النواصع اللامحدودة.حقاً هذا الإجماع الشامل الذي أعطاني سمو التقدير فإذا كانت أوربا بهذا الحجم من القبول المتوالي.. فإن مصر وباقي الدول الأخرى تهيم في ساحة الطريق التي تزينت في لياليها وسكبت في دواخلنا الإعتزار بأخوان الطريقة البرهانية التي تمشي كل صباح نحو الترغيب التام للإسلام ليس هناك فحسب بل على سعة العالم ليكون الحصاد القادم هو إرساء دعائم الإسلام عبر منظومة التصوف الناضجة. حقيقة جلست ساعة مع هؤلاء القوم فقد عرفتهم كمحب من سنين خلت.. فهم أحباء بقدر معاني الحب.. يتوافدون لبعضهم بسماحة وبحث فقد نهلوا تماماً من شراب الوصل.. هذا الديوان المتفرد للإمام فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني.. فقد أهداني إليه الشيخ أبوهريرة.. ومنذ أن بدأت في الإطلاع إليه وجدت حروفه تشع بهاءاً وخضرة فردية جماليات ما بعدها ، وروحانيات تتلاقى فيها الأرواح الصادقة فتشكل مسحة إيمانية تهز القلوب فتودعها إلى القبول والأريحية.. إنها مفخرة ودرس في زمان يتطلب الحرص والإمساك على الدين والتدين عبر هذه النافذة الصوفية فهي تتسع رقعتها بألهامات أحسبها تماماً هي من عبق الإرتباط الرسالي.. وما أعظم هؤلاء القوم. أقول.. منذ أن تسلمت ديوان شراب الوصل تلاقت عيوني على هذه الأبيات.. ما ضر لوبات المحب وقد عفا.. إن التظالم بؤرة الإظلام.. ماسر لو بات المحب مغاضباً وعليه جفوة قاطعي أرحامي.. حسن التلقي من سمات أحبتي.. والجوهر المكنون في الهامي. هنا توقفت في مستجدات الخواطر ولاحقتني صنوف الاشتياق للاجماع نحو الإرتباط الأسري الذي بات مغاضباً وفيه جفوة قاطعي ا لأرحام صورة مدَّها مولانا فخر الدين في زمان غير هذا الزمان.. ونحن اليوم نلتمسها كثيراً.. حقاً ديوان شراب الوصل الذي يحمل (95) قصيدة في خمسة أجزاء مفصلة في الجزء الأول . النائية.. والنونية.. المهدية البائية.. الزادية.. الهمزية.. الوصية.. الأحدية.. الهائية.. الكافية..البنائية.. العطية.. القمرية.. الصرصية.. الرجية.. المهدية .. كلها جاءت مستوفيه لأدق تفاصيل الوصف بمرئيات ومشاهد تدعو للحاق بركب الإيمان المسؤول ويكفي في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال« وما هو إلا من له الأرض مسجد.. وما هو إلا من الترب طاهر.. وما هو إلا من رأى الله جهرة .. وما هو إلا من به الحق ظاهر.. هكذا رسم لي هؤلاء الأحبة الأخيار في تلك الساعة النهارية بدعوة كريمة من أبن أختي أبوبكر دنبلاب.. وقد كنت سعيداً بأن أجتمعت بهؤلاء ا لأخوان وفي مقدمتهم الأخ أبوهريرة.. رسموا لي لوعة الإشتياق وأنا أحصن منهم حديث المحبة في سموحهم ومسجد علي المتسع.. ومقام الإماميين في واجهة تعكس عمق رسالة هؤلاء الطاهرين الصادقين والساعين لجمع حكمة لا إله إلا الله محمد رسول الله في كل بقاع الدنيا.. والمشاهد أمامي أراها تؤكد أن كل الأجناس ومن كل البقاع حضوراً لهذه الليالي بمعية العارف بالله مولانا محمد إبراهيم محمد عثمان عبده البرهاني أنهم دفقات ترتقي بالروح لتجعل المرء راغباً في السير على نهج السلف الصالح.