تحاول بدون فائدة ابعاد الحزن عن طاولة حياتك ، تجلس في المساء ترتشف قهوتك المرة ، تسافر في دهليز السنين ، تطرأ على ذاكرتك الصدئة فكرة القبض على وهج الايام الهاربة من العمر ، الايام التي اصبحت هلامية وطشاش في الذاكرة ، تركض وراءها حتى ينقطع نفسك وتعود بخفي حنين وانت تلعق جلباب الهزيمة والمرارة والحزن ، هكذا انت ايها الانسان يشتعل الحزن في دواخلك كلما عبرت واحدة من تغريداته في أفق حياتك. اسأل لماذا نهرب من الحزن طالما انه موجود فينا ، نلوكه مع لقمة الخبز ونشربه مع الماء يوميا ؟ اذن تعالوا نعقد صفقة مع هذا المفزع ، واقامة حلف معه يمكن ان يجعلنا نتفادي مباغتاته ، ربما يتصور بعضكم ان الدعوة للتصالح مع الحزن شيء غريب ، وان من يدعو لذلك رجل مخبول ، لكنها الحقيقة المرة التي يتوجب ان نعترف بها، ونختارها نظاما لحياتنا ، فالحزن منا قريب مثل ارجوحة معلقة على أبوابنا ، فجأة ترن اجراسها وندخل في السرداب المعتم ، ربما يقول احدكم ان الحياة ، اجمل من ان نبددها في انتظار الحزن وتفاصيله ولكن علينا ان نستعد ، له في أي لحظة حتى لا نتعرض للصدمة جراء مداهمته ، يقال ان اصدق الكلام ينتج عن الحزن واصدق الابداع يكون مسربلا بهذا الضيف الذي يعزم نفسه في حياتنا عنوة ، ارجو ان تكون دعوة التصالح مع الحزن ، دعوة لا تسبب الارباك للبعض فالاغاني الحزينة دائما تجلس على باحة القلب وكذلك الموسيقى ، من منا لم يحزن في حياته ؟ من منا لا يضع يده على صدره بانتظار موجة حزن مباغته ؟، انها ليست دعوة للتشاؤم ولكنها دعوة للنظر الى الحياة بمنظار آخر نستعد للقادم في أي لحظة ، نفرش له الارض بمداد الدمع ، نتكيء على خاصرته ، نجلس قبالة سواحله علنا نستشف وجهه ونستطلع ملفاته المبهمة ، ملفاته القديمة والقادمة ، دعوني ابوح لكم بسر ظل مكتوم في القلب ، انا من اكثر الخوافين من الحزن ، دائما احسب له حساب احاول ترويضه ، لكن هذا اللعين لا يمكن ترويضه أو الافلات منه ، اذن دعونا نتصالح معه ولا اقول نهرب منه ، فمهما هربنا منه فانه سيظل يلاحقنا بمكبرات صوته ويجدنا وسط الجموع ويرسم علاماته على ملامحنا الكالحة.