ابان استعار الحملات بين القطبين الرأسمالى والشيوعى خلال ستينيات القرن الماضى ودخولهما فيما يسمى بالحرب الباردة أصدر الكاتب الأمريكى هربرت شيلر كتابه الشهير المتلاعبون بالعقول «mind managing» والذى أبان فيه سيطرة الاعلام الدولى وخدمته للرأسمالية بعيداً عن الكثير من الشعارات التى رفعها هذا النظام فى حرية تداول المعلومات وحرية التعبير وعدم وضع قيود على حرية الاعلام التى تضمنها الدستور الامريكى فى التعديل الأول المعروف . ووضح شيلر الأساليب التى تستخدمها وسائل الإعلام الدولى فى رسم وتشويه الصورة من خلال عمليات التكرار. العهد الذى أصدر فيه شيلر كتابه كانت وسائل الإعلام الدولية تتمثل فى وكالات الأنباء العالمية الخمس : رويترز - اسوشيتدبرس- الفرنسية - يونايتدبرس - تاس ومن المعلوم أن الوكالات الأربع الأولى هى فى خدمة النظام الرأسمالى والأخيرة « تاس » هى الوحيدة التى كانت لخدمة النظام الشيوعى . وفى مجال الإعلام التلفزيونى كانت خلال الحقبة القنوات الأشهر والمعروفة هى ثلاث قنوات أمريكية هى CBS- ABC -NBC والإذاعات الدولية كانت الBBC وصوت أمريكا وبعض الإذاعات الأوروبية الموجهة . فإذا كان هذا العدد المحدود من الوسائل الإعلامية الدولية والمؤثرة عدها شيلر تتلاعب بالعقول على المستوى الدولى فماذا سيكون قوله اليوم بعد مرور حوالى نصف قرن على كتابه هذا فى فضاء تتزاحم فيه كل أشكال التعبير ليس للتلاعب بالقول وإنما لإلغائها . فى تغطية الشأن السودانى تعمد هذه الوسائل لإلغاء عقولنا وتنتج الكثير والمثير من المواقف والقضايا والألفاظ وتلوكها ليلاً وتقذف بها إلى أعلى لتهبط علينا نهاراً أمراً مسلماً وواقعاً لافكاك عنه . على سبيل المثال منذ مايقارب العامين تردد هذه الوسائل وتقرن عبارة فى موعده فى كل خبر أو حدث يتعلق بالإستفتاء وتصور الحكومة وهى كما تعرفها فى كثير من الأحيان حكومة الشمال انها ستنكص عن إجراء الإستفتاء فى موعده . ربما باسترجاع يسير للذاكرة ستجدون ان هذه العبارة فى موعده صارت تطلق بصيغة الأمر للحكومة فى كل التصريحات التى يدلى بها أهل العالم كافة بدءاً من هيلرى كلينتون ونهاية بالقنصل اليوغندى بجوبا الذى نقلت عنه خدمة جوبا باذاعة أم درمان فى نشرة الرابعة الرئيسية أول أمس أن على الحكومة أن تجرى الإستفتاء فى موعده . ليست مصادفة أن تنتج عبارة فى موعده وتسوق هذا التسويق وتقترن وتختم كل التصريحات الدولية وتنطلى للأسف الحيلة على بعض المسئولين الحكوميين فيعيدون انتاج العبارة بصورة أو بأخرى . فى موعده يتم حتى ولو لم ترسم الحدود , فى موعده يتم حتى ولو تفجرت أبيي , فى موعده يتم حتى ولو لم يكتمل سجل الناخبين , فى موعده يتم لأن الحكومة تنكص عن تعهداتها الدولية , فى موعده يتم حتى ولو تم بدون تنسيق مع الخرطوم , فى موعده يتم خشية إندلاع الحرب مجدداً بين الشمال والجنوب , فى موعده يتم لأن الفصل الأخير من المسرحية العالمية سيتم إخراجه فى جوبا ..