صحافة السودان : لابد أن أقدم تحية لأهل الصحافة السودانية ، لهم كل تقدير وإجلال ، وكل إحترام ووقار ، فهم يقومون بعملهم خير قيام في أصعب الظروف وأقسى الأحوال، قال أجدادنا في الأمثال الشاطرة تغزل برجل حمار، والصحفي السوداني يقدم أجمل ما عنده رغم صعوبة كل شيء حوله، وأقدم تحية خاصة للصحفيين الذين يكتبون الأعمدة، وأشهد أن الأعمدة الصحفية جامعة عالمية ، وثقافة كاملة الدسم لكل مواطن سوداني، قد يكون مقال العمود إختصاراً لكتاب كامل. وأذكر هنا كيف أن الصحافة مهنة يحبها الشباب ، وأذكر في أول أيام شبابي كيف كنت أتمنى أن أكون صحفياً في جامعة القاهرة كلية الآداب ، وأؤكد رغبة الشباب في الصحافة بما كتبه رئيس وزراء بريطانيا السيرونستون تشرشل في كتابه حرب النهر، وكتب السرجون كولفيل في مقدمة الكتاب تحت عنوان المؤلف ونستون نشرشل ، وقد ولد نشرشل في عام 1874م ، وعاش حتى عام 1965م ، عاش من العمر عاماً بعد التسعين، وكان في بريطانيا وزيراً للداخلية ، واللورد الأول لسلاح البحرية ، وزعيم المعارضة ، ورئيس الوزراء البريطاني لأكثر من مرة ، ووزير المالية فيها . لقد بذل مجهوداً كبيراً ، وتوسطت والدته لكي يأتي إلى السودان جندياً إنجليزياً ، ولكن كان له في شبابه الغض طموحاً آخر هو أن يكون صحفياً ، وقد كان مراسلاً سرياً لجريدة مدرنج بوست ، وكان له إسم مستعار ويكتب إلى الجريدة بطريقة سرية ، عندما أصدر كتاباً عن جهودة الصحفية ثارت ثورة كتشنر الحاكم الإنجليزي للسودان ، ولكن ونسون نشرسل كتب أجمل ما كتب عن السودان ، وعن ثورة المهدي الشعبية الرائعة ، لقد كان يرغب قبل كل شيءأن يكون صحفياً وقد كان . المهنة والتحديات:- ويسعدني أن أقدم للقاريء المبارك جزءاً من محاضرة بروفسور محجوب في كلية الصحافة للصحافة وتكنلوجيا الطباعة ، 3 مايو 2014 م ، وكانت محاضرته عن الصحافة السودانية ، وأقدم هنا ما ذكره عن المهنية والتحديات حيث قال : المهنية وثورة الاتصالات: إذا توفرت أجواء الحرية التي يتم التعامل معها بمسؤولية، وإذا توفرت البنيات التحتية والإمكانيات الإقتصادية لصحافة متطورة، وإذا توسعت دائرة إهتمام الصحافة لتلبي كافة تطلعات شرائح المجتمع المختلفة ينبغي أن يتوفر الركن الأهم وهو مهنية الصحافة التي هي الآن في أضعف حالاتها بسبب الممارسات الخاطئة تجاهها، وحالة الحصار التي عاشتها، مما يستلزم وضع برنامج جاداً ومدروس لبناء القدرات البشرية داخل الصحف تحريراً و إدارة . هناك برامج تدرس في كليات الإعلام تحتاج إلى إعادة نظر، لأنها دراسات نظرية ينقصها الجانب العملي تماماً، كما أنها لا تعني برفع مستوى اللغة وترقية الإسلوب وتقوية المعلومات العامة، وفوق هذا هناك ضعف في مستويات التدريب داخل المهنة ، و إذا تواصل هذا الضعف فإن كل العناصر الأخرى ستتداعى، لأن الضعف المهني سينعكس سلباً على الحريات، ويخلق المبررات لمحاصرتها حكومياَ ومجتمعياً، وسيضعف الأقبال عليها، وسيؤثر ذلك سلباً على إنتشارها وعلى إقتصادياتها ، والتحدي الكبير هنا هو أن نخلق جيلاً من الصحفيين المقتدرين أسلوباً ومعرفة و آداءاً، و إلتزاماً بقواعد المهنة.. ولابد من إعادة النظر في بيانات التدريب و أساليبها وجدواها وفعاليتها ، ولابد من تعليم الإعلاميين لغة ثانية الإنجليزية أو غيرها، لضمان الإستفادة من كنوز المعرفة المتوفرة في شتى المواقع على الشبكة العنكبوتية وغيرها من الوسائل الحديثة . لقد نجحت أجيال سابقة من الصحفيين في إكتساب المعارف والقدرات عبر مجهودات التثقيف الذاتي ، والتدريب أثناء العمل رغم ما في ذلك من مشقة والمعارف متاحة الآن بسهولة ويسر لمن يعرف كيفية الوصول إليها، ويملك الأدوات اللغوية للإستفادة منها وتوطينها وتكييفها مع الواقع المحلي. التحديات المستجدة: على أن الصحافة الورقية تواجه تحدياً أكبر من ثورة المعلوماتية والتقانات الحديثة في علوم الإتصالات، التي ألغت تماماً عنصريَّ الزمان والمكان في العمل الإعلامي، فظهرت وسائط إعلامية تتفوق على الصحافة الورقية في تغطية الحدث لحظة وقوعه بالصورة والصوت، ونقله ساعة حدوثه للمتلقّين في شتى أنحاء العالم.. بينما الصحافة مقيدة بقيود الزمان والمكان، فهي لابد أن تقف عند ساعة معينة لكي تطبع وهي تنقل عبر وسائل نقل بطيئة إلى مراكز توزيعها، وليس أمامها فرصة لكي تنافس تلك الوسائط في سرعة نقل الأحداث، وفي سرعة بثها وفي ملاحقتها، وهذا ما حدا بالكثيرين للإعتقاد بأن الصحافة الورقية إلى زوال، ولكنني على العكس من ذلك أعتقد بأنها تواجه تحديات عظيمة، ولكنها قادرة على إجتيازها. الوسائط التي تنافس الصحيفة الورقية تتفوق عليها في مجال السرعة في التغطية والسرعة في النقل الذي لا تستطيع الصحافة مجاراته، ولكن تلك الوسائط تترك المجال واسعاً للصحافة الورقية لكي تستغل الوقت في تجويد الآداء عبر فنون الصحافة الأخرى، وهي ستجد مجالاً أرحب في الصحافة الإستقصائية، وفي تقديم خلفيات الأخبار و أبعادها ومراميها وفي التحليل المتأني وفي التنوع الثقافي والفني، وبذلك تعتمد على(العمق) في مواجهة عنصر السرعة الذي يسيطر على تلك الوسائط ، وبالإضافة لذلك فإن الصحافة الورقية متاح لها أن تنافس أكثر عبر الوسائط المتعددة، بحيث يكون للصحيفة الورقية موقعها الإلكتروني المتحرك والمتجدد، الذي يجري تحديثه للأخبار بصورة منتظمة كما أنها في مجال الوسائط المتعددة يمكن أن تنتج تحقيقات مصورة عبر الفيديو، و أخرى مذاعة بالصوت فيجد قارئها الذي يتابع موقعها التطورات التي حدثت بعد طبع النسخة الورقية، ويجد القصص الأخبارية المصورة أو المذاعة صوتاً ، هذا يقتضي أن تكون الصحيفة الورقية مؤسسة متكاملة في قلبها النسخة الورقية، وبجانبها الموقع الإلكتروني المتجدد، والمستفيد من الوسائط المتعددة المسموعة والمرئية،