٭ القتال في وحول «السجن الكبير» المسمى قطاع غزة دخل يومه الثالث عشر أمس «السبت».. أرقام القتلى والجرحى والمشردين في تصاعد بموازاة أرقام الخسائر المادية المتمثلة في الهدم والحرق وتدمير مقومات الحياة.. والفلسطينيون الغزاويون هناك يدفنون موتاهم ولا يجدون مأوى أو مشفى لجرحاهم بعد أن اصبحت المستشفيات ومراكز التطبيب في مرمى نيران العدو الذي أخذ يتوغل أرضاً من الشرق والشمال والجنوب ويستهدف المشافي التي اجبرت طواقمها على اخلائها كما في حالة مستشفى «الوفاء» القريب من الحدود الشرقية عند «بيت لاهيا». ٭ أرقام تُفصح حتى كتابة هذه «الاضاءة» وبعد 31 يوماً من بدء العدوان الجديد، عن سقوط 413 شهيداً و2250 جريحاً -لابد ان جزء مقدر منهم معرض للموت جراء الاصابات الحراجة التي تعرض لها من القصف العنيف جواً أو براً بعد التوغل.. أما المشردين من منازلهم الى مقار (الأنروا)-المنظمة الدولية لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين- ومدراسها والمرافق العامة الاخرى القابلة لاستيعابهم فقد بلغ عدة آلاف حتى الآن، معظمهم من شمال غزة وشرقها، حيث يركز العدو أعماله الحربية، تحت ادعاء استهداف منصات الصواريخ ومراكز التسليح التابعة للمقاومة، بينما الحقائق الدامغة التي تسجلها الارقام، تقول ان اكثر من «08%» من ضحايا العدوان هم من المدنيين الآمنيين الذين تسقط عليهم القنابل والصواريخ وهم في دورهم آمنين.. أطفال ونساء وشيوخ وحتى شباب غير منخرط في اعمال حربية.. وبالتالي لا يمكن تصنيف هكذا عدوان إلا بأنه عقاب جماعي واجرام، لا يجد من اسف من يتصدى له بشكل فعال.. فحتى مجلس الامن فشل الى الآن وبعد أكثر من جلسة في اصدار اعلان صريح يدين العدوان أو يفرض على المعتدي الاسرائيلي اية قرارات أو اجراءات تجبره على التراجع عن الولوغ في الدماء. ٭ ابشع ما في هذه الهجمات الاسرائيلية التي تواترت موجاتها على أهل غزة بشكل دوري، كل عامين تقريباً.. هي أنها جزء من حرب مستمرة ودائمة.. تتمثل في فرض الحصار والعزلة جواً وبحراً وأرضاً على القطاع وسكانه بشكل دائم.. بكل ما يترتب على ذلك من افقار ومن تراجع نمط العيش حتى يغدو الهدف الأسمى للمواطن الفلسطيني العادي هو «البقاء على قيد الحياة» حتى يقيض الله الفرج.. ان كان هناك قريب.. فاسرائيل انسحبت (شكلاً) من القطاع لتفرض عليه نمطاً جديداً من الاحتلال.. الاحتلال عبر الحصار والتحكم في «النَفَس الطالع ونازل» لأهل غزة واتخاذ كل ململة أو فعل مقاوم لهذا الاختناق.. حتى لو كان بحفر نفق تحت الارض بمثابة مبرر لعدوان جديد.. بينما تتبجح اسرائيل بأنها رفعت الاحتلال عن غزة، وهي في الواقع تتخلص عن مسؤولياتها والتزاماتها التي يرتبها عليها القانون الدولي بوصفها «محتلاً».. بل ان الانسحاب جعل المعابر الرئيسية بين القطاع واسرائيل بدون اية اتفاقات تنظم الحركة والمسؤوليات بل ترك الامر هكذا «لمزاج» اسرائيل.. بينما ابرمت اتفاقية وحيدة والتي جرى توقيعها اختص بها معبر رفح الذي وضع الاشراف عليه من جانب القطاع تحت ما يسمى ب«الحرس الرئاسي» الفلسطيني والاتحاد الاوروبي بينما ترك في الجانب الغربي للسيادة المصرية الطبيعية. ٭ واقع قطاع غزة المأساوي هذا هو جزء لا يتجزأ من المأساة الكبرى التي تمثلها «القضية الفلسطينية» التي اضحت بنداً ثابتاً على مدى قرن من الزمان في اجندة العلاقات الدولية.. وأخطر ما في هذه «القضية-المأساة» أنها ليست من نوع النزاعات القابلة للتسوية السريعة أو الفعالة لأن الصراع في جوهره ليس نزاعاً على الحدود أو على حقوق محددة أو مصالح تم الاعتداء عليها من قبل أحد اطراف النزاع.. انما هو صراع على «الوجود» نفسه.. بحيث يبقى احد الاطراف موجوداً على الأرض.. ويتم ابعاد الطرف الاخر أما بتشريده واخراجه أو بالغاء حياته عبر المجازر البشرية كما جرى مراراً.. نواصل غداً انشاء الله