إذا كانت الحكومة جادة في كشف ملابسات الاعتداء على الصحفي عثمان ميرغني، لا نعتقد أنها ستواجه صعوبة كبيرة! الإهمال وعدم الاحتراف والضعف الفني تبدو بوضوح على سلوك المهاجمين من حيث ضعف التنوير وعدم التنسيق في الكلام! هوية المهاجمين لا تخرج عن صورتين: _ الأولى أنهم إسلاميون متشددون أو يعملون لحسابهم . _ والثانية أنهم عصابة مدربة عسكرياً تعمل لحساب مراكز كبيرة متضررة من ملفات الفساد الذي استهدفها هذا الصحفي . *** الذي يدعم الاحتمال الأول: 1- إن عدد المهاجمين يشير إلى بصمة تنظيمية ظهرت رديئة على الطريقة السودانية المعهودة. 2- الهجوم لم يقصد به القتل، بل للتأديب والفوضى لم تنجب بعد في صفوف المتشددين السودانيين المجرم المحترف ! 3- حرية الحركة والاطمئنان. 4- الضعف الفني. 5- ما تفوه به بعض المهاجمون عن حكاية غزة وإسرائيل يقوي احتمال الأول، ولكن ليس دليلاً يمكن الاعتماد عليه. وربما قصدوا منه (تلبيسة) مخابراتية لتضليل عملية الاتهام. ربما أقحموا غزة في هذه التلبيسة كما أدخلوا دارفور من قبل في قضية ذبح الصحفي محمد طه. أما الاحتمال الثاني وهو انتقام من بعض أصحاب الملفات المنشورة رغم ضعفه يمكن أن نقرأه من سلوك المهاجمين: 1- إتلاف المستندات وسرقة بعضها. 2- غياب عنصر القتل. 3- ما تفوه به بعض المسلحين مثل (تكتبوا على كيفكم ودايرين تهربوا).. 4- الفرصة كانت مغرية لمن أراد أن ينتقم عقب تزامن إذاعة المقابلة الفضائية مع الهجوم الإسرائيلي على غزة،وذلك لتضليل الاتهام! 5- الإمكانات الكبيرة والعربات الفارهة. *** والأغرب من كل هذا هو الاهتمام المصري بهذا الصحفي ّ!! هل نفهم أنهم فهموا كلامه كإمتداد لموجة معاداة حماس في الإعلام المصري؟! هذا التعاطف يضر به وهو أشبه بقبلة يهودا للمسيح!! *** الملف ما زال في بداياته، ولكن الثابت أن نظام «الإنقاذ» غير المحظوظ مدان في كل الأحوال! إذا كان المهاجمون من المتشددين فسيكونون حتماً من كوادره «العميقة»... وأما إذا كانوا بلطجية مؤجرين لصالح أصحاب ملفات الفساد، فالسؤال: كيف يفلت المهاجمون بهذه السهولة والحادث في وسط الخرطوم، والخرطوم مؤمنة بميزانيات رمضانية خاصة أعلنوا عنها منذ بداية هذا الشهر؟! *** قصة الحبشية المرتدة: قصة الحبشية التي ملأت الساحة مؤخرًا، لا يجب أن تقرأ في السياق الذي تمت به الإثارة.. لا قيمة لأحكام قضائية لا تملك الدولة لها حماية فبمجرد التهديد بقفل سفارات سودانية في أوربا تبدأ الذرائع للتراجع عن سياسات حمقاء ارتكبت بالفعل ، هذا فضلاً عن أنها أحكام تجاوزها الزمن واختلف عليها فقهاء الحركة الإسلامية أنفسهم..النتيجة كانت ألا حفظ (لماء وجه) ولا فوائد سوى الخسائر. *** هذه القضية يجب أن تبحث تحت عنوان(أوراق الهوية السودانية المستباحة في المدن الحدودية) وبالأخص مدينة القضارف. معلوم أن هوية الأب ليست (مشكلة) في ثقافة الحبشيات اللاتي يعملن في السودان منذ الستينيات، وهو أمر لا تقبله الثقافة الاجتماعية في السودان. هذه الازدواجية الثقافية أنتجت أجيالاً من أبناء «الكنابي» يعانون الآن مشكلة هوية «بدون سودانية». والمشكلة ليست سببها الهوية القانونية ، بل استلام «جنسية» سودانية في غاية السهولة، ولكن تبقى الصراعات الأسرية في الاعتراف وعدم الاعتراف.. هذا الصدام الاجتماعي الثقافي هو ما دفعت ثمنه الدولة في السودان في قضية «مريم -أبرار»هذه. هذا الصدام هو أيضا سبب الاستقطاب الديني بين الأسرتين فالانتماء للمسيحية في هذه القضية ليس تدينا بل هي طريقة مثيرة للتحدي وفرز الكيان واستدرار العطف الأوربي . ليس معروفا حتى الآن إن كان أبوها يحي الفواري أم هي من بنات أسرة إبراهيم!! والتثبت عن هذه المعلومات ليس صعبا فالبحث عن تاريخ الأم يمكن أن يحسم الخلاف.. والذي يبدو لي أنها لم تكن مؤمنة بعقيدة إسلامية أصلاً ولكن ظلت صامتة لتستفيد من هويتها (الإسلامية) وعندما تعلمت وكبرت أفصحت عن عقيدتها الأصلية واستغلت بذكاء هذه التناقضات المحلية والإقليمية والعالمية. أصبحت الآن موضوعا دسما لتصفية حسابات مع الحكومة السودانية من قبل سفارتي الجنوب والأمريكية. وضعت نفسها في فوهة المدفع وأمست قضيتها قضية نسب وكرامة وسيادة وقانون. كيف تدخل وتخرج دون تحديد هويتها ، لا يجب أن يترك الأمر استجابة لتهديد سفارات أو تعاطف داخلي ساذج. والسؤال الكبير: هل هي أصلا سودانية.. وكيف أخذت الجنسية السودانية؟ وكيف تعالج استباحة الجنسية السودانية!! هذا هو الأهم .. ولا يهم إن بقيت مريم أو ذهبت ومن حسن حظ الجميع أنها فازت بجنسية أمريكية !! }}