مرّت أمس ذكرى ثورة 23 يوليو المصرية التي أحدثت إنقلاباً قطرياً في الحياة المصرية و إقليمياً على مستوى العالم العربي والقارة الأفريقية.. كما أثرت في الوضع الدولي.. ذلك أن قائدها جمال عبد الناصر كان يؤمن تسنده حقائق و معطيات بأن لمصر دوراً يتعدى حدودها القطرية.. فحفظ التاريخ له ولمصر أدواراً مشرفة في مساندة حركات التحرر العربية والأفريقية.. أصبح يوم الثورة هو اليوم الوطني لمصر حتى أن الأخوان المسلمين ألد أعداء الثورة وعبد الناصر، لم يملكوا حين وصلوا للحكم غير أن يحتفلوا مكرهين بهذا اليوم .. وكانت خطوة عملية بدلاً عن الوقوف عند محطات الخلاف و تصفية الحسابات.. لكن الأخوان لم يتبعوا الإحتفال الشكلي بخطوات تؤكد تجاوز مرارات الماضي، وأصبحت عبارة (وما أدراك ما الستينات) التي قالها مرسي في خطابه الأول دليلاً على حزبية الرئيس وعدم سموه إلى مرتبة الوطنية الشاملة.. بعد ذهاب مرسي عاد الجيش مفجر الثورة إلى الحكم لتعود الثورة من غربة عاشت فيها عاماً كاملاً. تأثير الثورة خارج مصر يدل عليه الإشتجار والخلاف والجدال بين كتاب ومفكرين غير مصريين حول قانون الإصلاح الزراعي وديمقراطية حزب الوفد وبناء السد العالي ومحاكمة مصطفى أمين والدفاع عن القطاع العام.. وكلها شؤون مصرية داخلية ما كانت لتجد كل هذا الإهتمام الخارجي لولا التأثير المصري خارج حدود مصر.. عادة ما يثير هذا التمدد الخارجي جدالاً وطنياً حول جدوى تبني قضايا الغير.. والخسائر التي يتحملها القطر نتيجة حشر الأنف في شؤون الآخرين، ويقابل هذا الرفض تيار آخر يرى أن جزءاً من دور ورسالة القوة الإقليمية. ما أن يثار موضوع ثورة يوليو إلا ويثار موضوع دكتاتورية عبد الناصر .. لم يكن عبد الناصر ديمقراطياً بلا أدنى شك في هذا الزعم، لكن وللإنصاف لا يمكن محاكمة أي زعيم بمعايير عصر لم يعشه.. وعادة ما يستدعي خصوم عبد الناصر معايير اليوم حين أصبحت الديمقراطية شرط منح الحاكم شهادة البراءة و الجدارة.. كان الزعيم العربي يهتم بلغة عصره ومعاييره، وأفلح كثيراً حيث كان زعيماً متجرداً، لم يكن انحيازه للفقراء والبسطاء موضع شك.. ذاك وضع لا يحتمل منطقة وسطى في الصراع، فإما أن تكون مقتولاً في حادثة المنشية برصاص الاخوان، أو سجاناً كبيراً. تبقى ذكرى ثورة يوليو، ولو ابتعد الجيش عن الحكم.. و لا أجد ما يعبر عن حالة حدث جلل أصبح من الماضي ولم تنقطع آثاره، كقول الشاعر الكبير الفيتوري: أصبح الصبح كأن الزمن الماضي على الماء نقوش فارفعي راية أكتوبر.. فالثورة ما زالت تعيش