جاء «يوم شُكر» شاعر المقاومة الفلسطينينة، سميح القاسم، الذي سطّر هذه الحروف الحية الحمراء، قبل نيفٌ واربعون عاماً، في رثاء ابن الارض السودانية، المحجوب :» أيها المارد فى محكمة الموتى القضاة ، موتك الشاهق فى الاغلال لن يجعل منهم غير قتلى فى الحياة.. يارفيق الخصب والبذرة، ياهمهمةُ الاجيال بالفجر القريب، موتك الآنى لا يعطى حزام الجنرال شكل خط الاستواء.. وسيور السادة الضباط ، لا تغدو خطوط العرض والطول، فلا مجد يدوم، غير مجد السنبلة، فوق انقاض العصاة القتلة «.. رحل أمس، شاعر المقاومة الفلسطينية، سميح القاسم، صاحب النشيد الذي ترنم بها كل العالم العربي مع مارسيل خليفة: «منتصب القامة أمشي.. مرفوع الهامة أمشي..في كفي قصفة زيتون.. وعلى كتفي نعشي ، وأنا أمشي، وأنا أمشي ، وأنا وأنا وأنا وأنا أمشي..قلبي قمر أحمر، قلبي بستان فيه العوسج، فيه الريحان»..!. كان سميح القاسم آخر عمالقة أدباء الثورة، الثورة عابرة الحدود ..لا تُذكر الملاحم في الثورة الفلسطينية ، إلا وتأتي سيرة الشاعر سميح القاسم مع رواد الثقافة والفكر والمقاومة الفلسطينية ،غسان كنفاني وادوارد سعيد ، وناجي العلى ومحمود درويش ، و، و.. كان سميح القاسم ومحمود درويش فى الخمسون عاماً الماضية كتوأمان، ولا أدري هل كان ذلك نعمة أم سوء حظ للقاسم..؟ ، فقد كان الزمان الذي مضى هو زمان شاعرية محمود درويش بلا جدال ، بمثلما احتكر المتنبئ زمانه ، ومثلما تربّع محمد وردي لستون عاماً على عرش النغم.. جاء سميح القاسم فى زمان محمود درويش بارئ قوس الشعر فى العصر الحديث ، فكان نِداً حقيقياً له .. وبغياب سميح ، تبقى القضية الفلسطينية يتيمة من شعرائها ، فقد كان سميح القاسم أحد أهم وأشهر الشعراء العرب المعاصرين الذين ارتبط اسمهم بشعر المقاومة، وبرحيله تفقد القضية الفلسطينية لساناً قومياً دُرْزِياً ، كانت كلمات أشعاره كطلقات الرصاص في وجه جنود الاحتلال الاسرائيلي، و ظلت أشعاره على الافواه طيلة عقود، ترددها الأجيال من بينها : «تقدموا..تقدموا براجمات حقدكم وناقلات جندكم ، فكل سماء فوقكم جهنمُ..وكل أرض تحتكم جهنمُ»..! ولد سميح القاسم فى العام 1939 بشمال فلسطين، ودرس في بلدته الرامة ، و في مدينة الناصرة، واعتقل مرات عديدة ، واحتجز رهن الإقامة الجبرية لمواقفه الوطنية المناهضة لاغتصاب أرض فلسطين..وتنوعت أعماله الادبية، بين الشعر والنثر والمسرحيات ،و شارك نِده محمود درويش بنصوص «كتابات شطري البرتقالة»، وهي عبارة عن مراسلات، «تُعبرعن حالة أدبية نادرة وخاصة بين شاعريين كبيرين».. نال القاسم جوائز عدة، منها جائزة «غاز الشعر» من إسبانيا، و جائزتين من فرنسا، كما على حاز «جائزة البابطين»، و جائزة «وسام القدس للثقافة» ، و»جائزة نجيب محفوظ» من مصر ، و»جائزة السلام» و»جائزة الشعر» الفلسطينية... وقال سميح القاسم فى رثاء عبد الخالق: «هكذا نبدأ من حيث انتهينا.. صخرة اخرى على النهر، ولكن المنابع تلهم التيار مجرى آخر نحو مصبه.. هكذا نبدأ ، لكن المنابع، أبداً تهدر فى كل عروق الارض، تمتد ترتد وتعلو ...وتدافع..! أول الغيث دم، ثم الربيع ..قالها يوما مغنٍ اتقن الحكمة والانشاء فى كل اللغات، والذى كان على النيل سُباتٌ عابرٌ،، يشبه سبات نشقة أُخرى من الكوكايين ، فالنهر الحزين ....هادئ ..لكن تاريخ الخدَرْ، لحظةٌ تسقط فى ثقب الرصاصة..»..!