الليلة الخميس.. ولأنكم اعزاء جداً عندي.. أحباء جداً عليّ.. لن أقول مواصلاً التنغيم وكما كان سائداً قبل زمن وأزمان «فقد كان الناس ومن فرط ابتهاجهم وبهجتهم بالخميس يرددون في فرح طليق.. الليلة الخميس.. صفقة ورقيص».. ولكني أقول الليلة الخميس..أريحكم من رهق السياسة، وأبعدكم من حقولها المشتعلة بالجحيم.. أتوقف طوعاً واختياراً عن اطلاق مدفعيتي نحو الأحبة في الانقاذ.. عاقداً معهم هدنة في أي خميس من كل اسبوع.. لأوقف اطلاق النار تماماً لأحملكم يا أحباب إلى حدائق ورياض ورياحين الغناء البهيج.. أكتب لكم على قشر البرتقال وبأعواد الأزاهر ومن مداد عصارة صفق الورود.. اليوم دعونا نقلب دفتر الغناء في الوطن البديع.. أتوقف عند ملاحظة تفصح عن نفسها، وتعلن عن روحها، تتبدى جلية ناصعة وساطعة.. الملاحظة هي أن الأغاني التي يتمدد عمرها ويطول أنفاس حياتها.. لا يطويها النسيان ولا يلفها البلى.. الصامدة الراسخة في كل الوجدان.. وتستمطر في فرح وتتلمظ في سعادة وحلاوة طعم الدموع المالحة.. هي تلك التي كتبها الخاسرون عشقهم.. هي الأغاني التي يخلدها التاريخ.. وتظل متوهجة عبر السنين.. وتبقى محفورة موشومة في الضلوع.. ضلوع كل المتلقين.. راجعوا دفتر الغناء.. لن تجدوا أغنية واحدة خالدة تغنت للأمل.. للفرح للسعادة.. للطريق المفروش بالزنابق.. راجعوا دفتر الغناء.. تجدوا أن الأغاني الأطول عمراً.. الأكثر خلوداً.. الأعمق أثراً.. الساكنة «جوه» افئدة الناس.. أحبتي.. أنا لست شريراً ولست سادياً ولكني ومن فرط حبي واحتفائي بروعة الغناء البديع.. أقول.. إن انهيار قصص الحب.. وخسارة العشاق والأحبة.. و «طرشقة» قصصهم هي التي وهبتنا البدائع والروائع من الأغاني المدهشة.. وسبحت في هذا النهر حتى تمنيت في سري «طبعاً» أن ينهزم كل مبدع شاعر وفنان في قصة حبه حتى يرسم لنا وبدموعه باهر وبديع اللوحات.. هل تريدون أمثلة.. قالها وكتبها قبلي عز الدين هلالي.. عندما كتب.. «طبع الزمن» ورسم بدمه ودمعه.. شوف نحن عارفين قيس شِقى وعارفنو كان تائه وحيد.. كان طول عمرو مستني ليلى وكان بيحلم بالجديد.. أهو حسع مرت ألف ليله ولسع بنفكر نريد.. نعم.. التاريخ يروي.. إن كل قصص الحب الخالدة المشتعلة بفيض المشاعر ودفء القلوب.. استشهدت وماتت ووهبت الناس أبهى الكلمات وأغلى الحروف.. ودلوني على قصة حب ناجحة توجها الزواج وخلدها التاريخ.. إن كل الهدايا والعطايا.. ووابل روائع الحروف وبهيج الغناء كتبها لنا بالدموع والأنين والآهات والنحيب.. قيس.. وجميل.. وكثير.. وعنترة.. وليلى.. وعزة.. وعبلة.. إنه الخلود.. خلود المشاعر الذي تسجله الحروف والكلمات والأغاني.. إنه الخلود خلود مرارة الفراق والبعاد والرحيل.. الذي يكتبه المكتوون بذاك العذاب المر ليصمد في بهاء شاهداً وشاهقاً على مدى القرون.. إنه الخلود الذي لا يهزمه الموت.. وهاكم مرثية «سلمى» تلك التي خلدها «كابلي» أنا أبكيك للذكرى ويجري مدمعي شعرا أنا أبكيك إن غنت على الاشجار اطيار وإن اترع في قلبي خيوط اللحن قيثار أنا ابكيك إرن سحت على الوديان أمطار أنا أبكيك للذكرى ويجري مدمعي شعرا عشقت البدر يا سلمى لأن البدر محياكي عشقت القبر يا حبي لأن القبر ضماكي