العنوان أعلاه، تصدر قصيدة يعتبرها الكثيرون واحدة من عيون الشعر العربي، والحكمة الإنسانية لشاعر السيف والقلم محمود سامي البارودي، الذي يحفظ له دارسو المرحلة الثانوية القديمة قصيدته الأشهر (طيف سميرة)، ويعني طيف ابنته الطفلة الذي كان يتراءى له وهو في منفاه الذي أبعدته إليه السلطات الحاكمة في مصر مع عدد من أبطال ثورة عرابي عام 1881م وكان المنفى البعيد هو جزيرة سرنديب، التي بقي فيها لأكثر من سبعة عشر عاماً عانى خلالها الوحدة والمرض والحرمان، لكنه قدم للإنسانية شعراً رائعاً ينبض بجمال المفردة وبهاء الصورة، وعمق الحكمة. المقدمة السابقة طويلة لكنها مهمة، فللأمر علاقة بالعسكرية، وبالسلطة والمجد الحقيقي، والوفاء الأصيل. أما الموضوع فهو صدور كتاب جديد زين المكتبة السودانية يوثق لسيرة ومسيرة وحياة الضابط العظيم الفريق الفاتح بشارة، العسكري المنضبط والحاكم لاقليم كردفان الكبرى إبان العهد المايوي، وقبل ذلك مدير مكتب الرئيس الراحل الفريق ابراهيم عبود، والدبلوماسي الكفء الذي مثل السودان في واحدة من أهم الدول الشقيقة، وهي المملكة العربية السعودية.. الكتاب وضعه وجمعه وصاغه صديقنا العزيز والباحث الكبير البروفيسور عوض ابراهيم عوض، وفيه كثير وفاء منه لذلك العلم والرمز السوداني الأصيل الفاتح بشارة، الذي كان موسوعي المعرفة، حافظاً لعيون الشعر العربي يجيد العربية، ويتقن الانجليزية مثل الناطقين بها، مستوعباً للتحولات الاجتماعية في بلاد السودان الشاسعة، ليعمل على إعادة الإدارة الأهلية بكل ألقها وهيبتها وفاعليتها، ولكن في ثوب حديث ونفس جديد.. ذلك أمر العسكرية الذي جمع بين الشاعر محمود سامي البارودي، وبين الفريق الفاتح بشارة، وتلك هي السلطة التي نشدها البارودي ولم يبق في رحابها إلا أقل من عام، لكن الرجلين عاشا المجد الحقيقي، وجاء صديقنا الوفي البروفيسور عوض ابراهيم عوض ليؤكد أن الإنسان السوداني ما زال بخير، وأن الوفاء سمة مسجلة وصفة لا تغيب إلا لدى قلة قليلة، سعت وراء الدنيا وبناء المجد الزائف، وابتعدت عن طريق الخلود الحقيقي المفضي بإذن الله الى جنان الخلد والفراديس العُلى. نختم ببعض أبيات من قصيدة البارودي- رحمه الله- وهي تقول: قليلٌٌ من يدوم على الوداد فلا تحفل بقربٍ أو بعاد إذا كان التغيّر في الليالي فكيف يدوم ودٌ في فؤادِ الى أن يقول: وما الدنيا سوى عجزٍ وحرصٍ هما أصل الخليقة في العبادِ فلولا العجز ما كان التصافي ولولا الحرص ما كان التعادي رحم الله شاعر السيف والقلم، ورحم الله الفريق الفاتح بشارة، وتقبل جهد البروفيسور عوض ابراهيم عوض، الذي مثَّل قيمة الوفاء النادر، وقدم لنا صورة نكاد نراها أول مرة عن الفريق الفاتح بشارة، وخفايا وأسرار وحكايات من داخل مكاتب الرئاسة في عهد الفريق ابراهيم عبود- رحمه الله ومن دهاليز السلطة والحكم. شكراً عوض.