تقول نظريات دينية وفلسفية إن البشر قد ارتقوا من حيوانية متوحشة إلى بشرية أفضل.. ويستدلون على ذلك بحياة الإنسان البدائي الذي لم يعرف الفضائل، ولم يكن مختلفاً عن حيوانات الغابة التي يصطاد بعضها بعضاً، وكان من سمي بشراً في مرحلة لاحقة يبقر بطن شبيهه.. ثم إرتقى لمرحلة البشرية حيث عرف من الفضائل الكثير وعلا فهمه.. لكنه مازال يحمل من الحيوانية ملامح وبقايا.. فما زال يستسهل القتل ولم تمنعه المواثيق التي يضعها بنفسه عن إثارة نعرات الكراهية وشن الحروب لأتفه الأسباب ليشبع حيوانيته في القتل والتشفي.. ويعتبر التعصب القبلي والقومي من أسباب إبقاء الإنسان عند ملامح حيوانية وإبطاء إنتقاله إلى مرحلة الإنسانية التي يعتبرها البشر المرحلة الأسمى، ويصفون بها كل سلوك سامي يصدر عنهم..الإسكتلنديون يمثلون أحد أبرز المباهين بقوميتهم والمعتزين بوطنهم إسكتلندا، ويعتبر التنافس بينهم والإنجليز أحد نماذج الندية والغيرة.. ولما حانت فرصة الإنفصال من المملكة المتحدة ليقدم الإسكتلنديون بلدهم وطناً مستقلاً يتغنون بأمجاده التي لا يشاركهم فيها الإنجليز ولاغيرهم، صوت الإسكتلنديون للإتحاد.. هذا حدث تاريخي سوف يكون معلماً بارزاً عند التأريخ لإنتقال الناس من البشرية إلى الإنسانية.. لقد تجاوز الإسكتلنديون بهذا القرار مفاهيم فارغة عن معنى الأوطان، وتساموا عن مفهوم متخلف يعتبر بقاءهم في الإتحاد منقصة وتبعية، وهي المفاهيم التي تجيش لها الجيوش من أجل عزة مدعاة.. وفي المقابل اعتبروا تكامل دورهم مع شركائهم في المملكة المتحدة أسمى وأرفع من دور منفصل في وطن صغير.. يسمو الإنسان كلما انتسب لوطن أكبر لا يرى أي فرد فيه أنه يعلو على الآخر، وكلما زادت مساحة الرقعة تناقصت إدعاءات النزاعات الحدودية والنزعات القومية والمحلية والنعرات القبلية والعنصرية.. وزالت أسباب التعصب البغيض.. يكبر وطن الإنسانية ويكبر حتى تصبح الأرض وطن الناس جميعاً وقد ارتقوا إلى درجة الإنسانية، ويعجب الإنسان حينها من أسلافه الذين كانوا يشعلون نار الحرب عقوداً من الزمان لخلاف حدودي بين دولتين.. مثلما نسخر نحن الآن من أسلاف لنا تحاربوا لقرن كامل بسبب ناقة.التعصب اياً كان.. قبلياً أو عنصرياً أو طنياً أو دينياً أو مذهبياً أو جهوياً , إلى زوال.. هكذا يقول منطق الإرتقاء الذي إرتفع به الناس من الحيوانية إلى البشرية وظهرت فيهم ملامح الإنسانية.. التحية للإسكتلنديين الذين أكدوا أن بشارة الإنسانية قريبة، ونأمل أن نتقارب في السودان بلا عصبيات.. لكنه أمر لا يكون بقرار بل بفهم.