قلنا في الحلقة السابقة إن الأستاذ يوسف عبد المنان- وهو من الكتاب في جريدة المجهر- يكتب (أي شيء) في أي اتجاه دون مراعاة لأي شيء!! حينما اشتدت فوضى القيم في (سودان الإنقاذ) الذي بلغت فيه نسبة الانتحار22% ، دخل هؤلاء المغامرون وهم الآن- مع الأسف- يصنعون الرأي، ولا يجب أن نقلل من خطورة التشققات في (نظارته) التي بها يقرأ الأحداث. وقلنا هناك أيضاً أنه عنصري حتى النخاع يختبئ خلف شعارات إسلامية يداوي بها جروح غائرة في خلفياته النفسية، وأوردنا الدليل الأول لعنصريته من كلام كتبه منذ ست سنوات في (آخر لحظة أبريل 2008م)، وهناك أوردنا النص كاملاً.. فيه حرض الحكومة على جماهير المحس في كجبار وشكك في إسلامهم وفضل عليهم قبائل في (بحر أبيض)!! بهذا الكلام حاكم أمة كاملة من النوبيين رغم أنه يقر أن المعارضين (مجموعة صغيرة جداً).. وصفهم بالشيوعية دون (تخصيص أو تبعيض)، ويبدو بوضوح إيحاءات الشك في عقائد النوبيين الدينية، وبوضوح يفضل قبائل على أخرى.. ولا يعرف- المسكين- أن الثقافة الإسلامية في السودان (بضاعة) نوبية ولكن كيف نناقش إنساناً ثقافته قائمة على الهروب من (التاريخ)!! وفي موقف آخر عندما لم يجد طائلاً من محاربة النوبة والنوبيين، بدأ يطارد مكامن القوة عندهم، وهي ارتباط النوبي بتراثه.. عاب على المرحوم الأستاذ فتحي خليل أنه يحب نوبيته وفي موقف تقريزي يقول له «أنت لست أكثر حباً من فكري أبوالقاسم لنوبيته».. ورغم مراميه الخبيثة كنت سعيداً بهذا الوسام ! هكذا ظل حائراً في دروب الندامة يحارب النوبيين حتى جاءه الفرج من الجيش المصري وهو يحتل أرضاً نوبية تنازل عنها السودان بافتتاح معبر إشكيت شمالي حلفا.. استشاط فرحاً وفي موقف فيه تشفي يرسل هذه الرسالة : في جريدة (المجهر) 1سبتمبر يقول: «إلى فكري أبوالقاسم.. بحثنا عنك في حلفا ولم نجدك.. سألنا عنك في أشكيت وقيل لنا إنك مقيم في الكلاكلة جنوبالخرطوم، وتنتمي لتلك المنطقة تاريخياً وثقافياً.. أما مناهضة المعبر الذي تم افتتاحه فهذا شأن حلفاوي لا ناقة لنا فيه ولا جمل إلا بقدر حماس الحلفاويين لسودانية أبيي.» لو تجاوزنا أكذوبة (البحث عني) في قرية لا وجود لها في حلفا الحالية، ولم أقل إنني منها- لنقف على المضامين الخطرة، سنجده بدون أدنى حياء ودون أن يرف له جفن يتبنى مطالب المحتل المصري في هذا الصراع الحدودي، الذي يرفض الاعتراف بأرض سودانية شمال خط عرض 22 شمال كانت عليها قرى تم إفراغها من السكان وتهجيرهم بالقوة. قابلية الرضوخ للسيادة المصرية، وضعف المعلومة والكراهية والنفاق للحكومة؛ تجعله يهرب من القضية الحقيقية وهي: هل هناك سيادة سودانية انتهكت بالاحتلال المصري في شمالي حلفا أم لا؟ وهل تنازل السودان بنقل (إشكيت) إلى هذا الموقع؟ هذه هي القضايا الأساسية وليست انتماءات (فكري) لحلفا أو إشكيت، ولم يكتف بأن ذهب بعيداً في الجرأة على الوطن وسيادته بل قال للحلفاويين مثلما قالت اليهود لنبيهم موسى «اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون»! يقول أذهبوا يا أهل حلفا لوحدكم في قتال عدوكم «لا ناقة لنا ولا جمل في قضيتكم».. ولم يقل لنا من هؤلاء الذين يمثلهم؟ وهل طلب أهل حلفا مناصرته ومنذ متى كان له ناقة في شؤون البلد حتى يكون له ناقة في حلفا؟ وأية قضية انتصر فيها بناقته تلك.. ومذابح كرشولا التي كان أهله ضحاياها ما زالت حاضرة في الذهن؟ لو قال صحفي مثل هذا الكلام في حق الدولة في الصحافة المصرية لكانوا قد قطعوا رأسه.. هذه الجرأة القاتلة على القيم العليا دليل على الهوة السحيقة التي تهوي إليها (الوطنية) في السودان. بجرعة ثقيلة من التشفي وتصفية الحسابات العنصرية يقابل خيانته لوطنه بما يدعيه من (خيانة) الحلفاويين الذين لم يحرروا أبيي!! وهل ينتحر الإنسان نكاية في خصمه!! أطمئنه لنداوي بعض جروحه (العرقية) الغائرة بأنني (أنا فكري أبوالقاسم) كتبت حلقات طويلة دفاعاً عن السيادة السودانية، وعن أهله في أبيي أكثر مما كتبته عن معبر اشكيت.. أطمئنه أكثر (لأن كبير القوم لا يحمل الحقد) والثعابين لا تلدغ إلا وهي خائفة: إنني تعاطفت معه وهو يبكي حال عرب كرشولا لأن السودان لا يتجزأ والسيادة هي السيادة. إذن..إذا كان تعاطفه مرهون بتعاطف الحلفاويين مع المسيرية، أتحداه أن يكتب في (حلفا) مثلما أنا كتبت في قضية أبيي.. لن يفعل هذا الذي طلبناه لثلاثة أسباب: - لأنه لا يعرف شيئاً عن قضية الأرض المحتلة شمالي حلفا، ولا يعرف إن كانت هناك قرية اسمها أشكيت ؛أما الذي أعطاه المعلومة ظلمه فقد دفعه لهوة الكذب! - ولن يكتب لأنه مسكون بأحقاد احتقار الذات والعنصرية، والصراع الثقافي والمصالح السياسية وفوضى القيم التي تمر بها الساحة السودانية، ولا يهمه شيء في أبيى . - لن يكتب لأنه لا يستطيع مواجهة مصر لأنه من جيل مستلب ثقافياً وسياسياً واجتماعياً بالمسلسلات، وجامعة القاهرة، والبشرة البيضاء، والقوة العسكرية.. كل هذه العوامل جعلت مصر في وعيه ككعكة في يد يتيم! *** .. لهذه الأسباب لن تنفع الحلفاويين ناقة يوسف عبد المنان وجمله، وكما قال أحد المعلقين في الفيسبوك «نحن أشرف من أن نكون في المرتبة الثانية» فلتكن الصدارة لنا في معاداة (الإنقاذيين)؛ ولن ينفعنا ابن عبد المنان ولو كان فينا ما زادنا إلا خبالا!