خَلِّيكْ صاحي، ما تغفل تمرُق منّك كلمة كِدا والّلا كِدا، إلا يَحفظوها، ويخُتُّوها ليك، في حَنانكْ، ذات يوم!. ما تدْقُسْ، وتَعْمِل ليك عَمْلَة، إلا ويسترجِعونها لكَ، من مخزن الهارديسك! فشعبنا ولله الحمد لم يزل قادِراً على طرحها أمامك الآن، أو غداً، فى اليوم المشهود! مناسبة هذا الكلام، تصريحات، وردت مؤخراً على لسان الوزير كرتي..وفى المُبتدأ، نستمع الى هذه القِصّة التى وقعت أحداثُها،الى الشّمال من منطقة حجر العسل، مرتع صبا كرتي،والشاهد على «حِزمة تفانين» أيامه الخوالي! فى طرف الحِلّة، كانت هناك منطقة أثرية يأتيها خواجات الشتاء..كانوا يفِدون إلي ذلك المكان كل عام بطائرة مروحية ويمكثون حتى انقشاع الشتاء..»بيعملوا شنو هناك»؟ الله أعلم لكنّهم، مع طُول المُدّة، أقاموا علاقة وثيقة مع سِيد الدُّكان فى الحِلّة، فكانوا يستعينون به فى التبضُّع والحصول على ما يحتاجونه..كانوا يقصدون ديوانه، بأردِيَتِهم القصيرة،كأن زمهرير الشتاء لا يعنيهم فى شيئ! فى ذلك الوقت، كان إبن أُخت التّاجر، ولداً فاشلاً فى المدرسة. ومع أنّه قادر على حمل السلاح، إلا أنّه أدمنَ التبطُل والقُعاد قِدّام الدُّكان..من موقعه ذاك،أخذَ يراقب نمو العلاقة قويةً، بين خاله والخواجات، فأصبح كل يوم « يَزِنْ» فى أضان أُمّو،، والأُم بِقتْ للخال فى رقبتو:»إلّا تكلِّم لى الخواجات ديل يسوقوا الجّنا دا معاهم»! بعد إلحاح شديد، رضخ الخال،و فاتح الخواجات بالطلب، قائِلاً لهم أنّ «الجّنا دا، قال داير يمشي معاكم»! فوافقوا، تقديراً لصحبتهم معه..فى نهايات الشتاء ،إنتهت مُهِمّة الخواجات السنوية ، التى لا يعرف كُنهها أحد. ولمّا جهزوا الطيّارة وأزمعوا الرحيل، تجمّع أهل الحِلة لوداع إبنهم «المحظوظ «،الذي سيركب الطيّارة بعد قليل! ودّعوه فى مشهد مهيب.. و الله يكتب سلامتو، الله يكتب سلامتو.. « وقالت كَدي» ، الطيّارة قامت، وحلَّقَتْ، ثم غرِقَت فى زُرقة السماء.. بعد قليل، وقبل ان يتفرّقوا نحو بيوتِهم ، سمعوا أزيز الطائرة يقترب! وماهي ألا دقائق،حتى حطّتْ الطيّارة فى نفس المكان، ونزل الخواجات وهم يسحبون «الجّنا» من داخلها ، حالتو بالبلاء من الطُراش والاسهال، والخواجات يقولون ،ما معناه ، أنّ السفر بالجو ، «ما ينفع مع جنّا ده»! فى ذلك الشتاء القارص، قام ناس الحِلّة، بجلب الماء، وغسلوا الخطيئة من الطيّارة ،وجرجروا «الجّنا» الى قيف البحر، لِيغسِل لومه الذي تنوء من حمله الجِبال!.. وتَمُر سِنينْ ، وعُمُرْ مُسلمين، ويكبر «الجّنا». ويعرِّسْ ويجيب الوِليدات..والوِليدات يكبروا، والنّاس ،كل زول فى حالو زي كأنّهم نسيوا الموضوع! ..ويجي يوم من ذات الأيّام، ويمرُق الولد الكبير مع ناس الحِلّة ل « ترْس البحر».. وتشاء الاقدار أن يكون الولد ، مَاسِك حبل الواسوق، وأحد عواجيز الحِلّة ماسك عود الواسوق..كان البحرْ كارِبْ، والجو نارْ، والشُغُل حار..الولد سخّنت معاهو عصرة الواسوق، وبحركة عصبية رمى الحبل، ومشى طلع فوق التَّرَسْ! عمّك الشّايب ما عجبتو الحركة، فناداه بغضب: « يا ولد ، ماشي وين»! ردّ الوِليدْ مِنْ زحمة التّعب،قائلاً : «ماشي السماء، ماشي السماء»! هنا أخرج له الشايب ،مكنون الهارديسك، وقال له : « والله قبُلْ دا برضو، أبوك مشى السّماء، لكنو ما إنْسَتَرْ، وجانا راجع»! مناسبة هذه الحكاية، تصريحات الدّباب على كرتي.. فمع أنه «سَوّاهَا» دون أن يخاف عُقباها ، إلا أنه، يُصِرّ فى أقواله الأخيرة، على تحميل جهات أُخرى أجنبية مسئولية انفصال جنوب السودان! يقول كرتي، أنّ تلك الجِهات الاجنبية، أضحتْ ، تَعُض أصابع الندم على مشاركتها فى جريمة الانفصال! هكذا دُفعةً واحدة نسِيّ الدّبابْ، أنّ الكلام أطول من العُمُر!.