٭ كانت عطلة العيد الكبير فرصة للعودة إلى آداب التصوف والتزود منها ببعض أريج الروحانية وعطرها الزكي.. ولي ولع خاص في هذا المقام بكل ما يصدر من الأسرة الطيبية السمانية أبناء وأحفاد سيدي الشيخ أحمد الطيب البشير «راجل أم مرح»، وهي اسرة حباها الله بالنجابة في طلب العلم فتفوق منسوبوها في الفقه والسيرة وعلوم اللغة العربية نثراً وشعراً، حتى امتاز طريق السمانية على يديها عن سائر الطرق بغزارة الانتاج وجودة المنتج، فكانوا أعلام هدى ومحبة أينما اتجهت في الديار السودانية والمصرية. ٭ بين يدي كتاب الشيخ عبد المحمود الحفيان بن الشيخ عبد القادر الجيلي بن الشيخ عبد المحمود «راجل طابت» بن الشيخ نور الدايم بن القطب أحمد الطيب البشير.. الذي خصصه لسيرة الشيخ الأكبر وعَلَم التصوف الأشهر الشيخ محيي الدين بن عربي، وهو الكتاب السابع في «موسوعة نظرات في التصوف الاسلامي» المكونة من عشرة أجزاء، وقامت على طباعته الأمانة العامة للمجلس القومي للذكر والذاكرين التابعة لوزارة الارشاد والأوقاف. ٭ الشيخ عبد المحمود الحفيان، ولد بطابت الشيخ عبد المحمود بالجزيرة في الأول من يناير عام 9191.. حفظ القرآن وهو دون الخامسة عشرة من عمره برواية حفص بن عمرو الدوري على يد الشيخ فضل المولى بن خليفة الجموعي تلميذ والده وصهره، ودَرَس العلم بمعهد طابت العلمي الذي أنشأه والده عام 7391، وكان ذلك في أول عام لافتتاح المعهد وكان عمره آنذاك ثمانية عشر عاماً.. ثم لزم حلقة والده العلمية التي كان يعقدها عصر كل يوم، حيث تخرج عليه في علوم الفقه والحديث واللغة.. وجالس العلامة الشيخ عبد الله الخبير في زيارته للشيخ الجيلي وأفاد منه في علوم الأصول والعقيدة، كما جالس العلامة العارف بالله الشيخ محمد الحافظ بن سالم التجاني «المصري» لدى زيارته لطابت عام 8491.. وقد أجاز الشيخ الحافظ الشيخ الحفيان في مروياته في علم الفقه والحديث.. كما أجازه العلامة الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر عام 8491 فيما اجازه فيه مشايخه السابقين.. والشيخ المراغي هو من تلاميذ الشيخ محمد عبده أبرز دعاة التجديد والاصلاح الديني في تاريخ الأزهر.. كما تولى المراغي القضاء في مصر قبل أن يصبح قاضي قضاة السودان في الفترة الممتدة من عام 8091 «ألف وتسعمائة وثمانية» وعام 9191 «ألف وتسعمائة وتسعة عشر».. وعمل بالتدريس في معهد طابت وخلف والده في المشيخة. ٭ وغير «الموسوعة» للحفيان مخطوطات لم تطبع تناهز العشرين، ومنها ترجمات وسير للشيخ محمد بن عبد الكريم السمان والشيخ أحمد الطيب البشير ووالده الشيخ عبد المحمود نور الدائم، ومنها «أصول الفقه.. رؤية معاصرة» و «دوران الفلك بإضاءة الحَلَك بجواز رؤية النبي والملك» و «ثاني اثنين» عن أبو بكر الصديق رضى الله عنه و «الدر النفيس في شرح رسالة فضل أهل الحديث» و «النيات وأثرها في الأعمال» و ديوان شعر بعنوان «نسمات الأسحار». ٭ يقدم الشيخ الحفيان في كتابه ترجمة مفصلة للشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، الذي ينتهي نسبه إلى حاتم الطائي من جهة ابيه، ومن جهة أمه إلى التابعي الكبير ابي مسلم الخولاني رضى الله عنه، وقد ولد الشيخ بمرسية في الاندلس 71 رمضان سنة 065 ه الموافق 72/7/4611.. وقرأ القرآن الكريم بالقراءات السبع على يد الشيخ أبي بكر بن خلف اللخمي من كتاب «الكافي» لأبي عبد الله الرعيني، وقرأ «التبصرة» في مذاهب القراء السبعة على القاضي ابي محمد عبد الله البازلي قاضي مدينة فارس المغربية.. وعن معرفته بالحديث فيقول الحفيان إنه رضى الله عنه لا يروي حديثاً الا سنداً إلى صاحبه سماعاً متصلاً، أو كتابة إليه متصلاً بالسند إلى كاتبه، وقد جمع حفظاً كل ما سمعه من الكتب الستة وغيرها.. وقد أخذ الكثير من مؤلفات السابقين بالتحديث والإجازة.. منها مؤلفات الحافظ ابن عبد البر والإمام عبد الحق الاشبيلي والإمام ابن حزم الظاهري وابن ابي بكر بن العربي القاضي المالكي والإمام البيهقي، وغيرهم كثير.. وسمع صحيح البخاري ومسلم و سنن الترمذي وأبو داؤود على شيوخ كبار.. ٭ أما شيوخه في الطريق فقد ذكر منهم في «رسالة المقدس»- بحسب الحفيان- اثنين وخمسين من الذكور وامرأتين هما شمس أم الفقراء ونونة فاطمة بنت ابي المثني، وكان من شيوخه في الطريق الإمام أبو جعفر العُرَييّ، أحد فحول أصحاب الأحوال، ثم ذكر أبو عمران موسى المِيرُتلي والفقيه العابد أبو يعقوب يوسف العباسي. ٭ يكتب الشيخ الحفيان عن اخلاق ابن عربي ومعاملاته، وما اتصف به من زهد وكرم لا يجارى.. من ذلك أنه أثناء اقامته في مدينة «قونية» ببلاد الروم زاره ملكها واعجب به وأجلّهُ وأكرمه واهداه قصراً كانت قيمته مائة ألف درهم، وحدث ذات يوم أن مرّ به سائل فقال: شيئ لله، فقال ابن عربي: ما لى غير هذه الدار فخذها، فتسلمها السائل، ثم حمل الشيخ حاجياته القليلة وكُتبِه وترك الدار للسائل، ويضيف الحفيان: قد كان العفو والصفح عادته وشرعته خاصة مع خصومه، ومن ذلك أن رجلاً في دمشق فرض على نفسه ان يلعن الشيخ بن عربي عشر مرات كل يوم، فمات الرجل فحضر ابن عربي جنازته، ولما رجع إلى بيته ذكر «لا إله إلا الله» سبعين ألف مرة وأهدى للرجل عنه ثوابها.. ويرصد الحفيان موقفه من الجهاد على أيام الحروب الصليبية وكيف اتصل بملوك الايوبيين الذين رفعوه واحلّوه مكاناً عليّاً، وكان له دور كبير في حرب الصليبيين، داعياً ومحرضاً ومرشداً. ٭ كتاب الشيخ الحفيان عن الشيخ الأكبر ابن عربي «طهر وصلاة.. اشارات وعبارات» سجل مهم وبحث لا غنى عنه لكل من أراد أن يتعرف عن قرب واحاطة بسيرة ابن عربي الذي طالما اختلف حوله أصحاب المذاهب الفقهيه المتباينة، قرباً وبعداً عن التصوف وأحواله.. فالحفيان يصدر في ما يكتب عن ابي عربي عن علم وعمل، وذلك هو مناط القسط والعدل الأقرب للتقوى.. نفعنا الله بجاههم جميعاً.