٭ ابتداءً، نتقدم لقرائنا الأعزاء بالاعتذار عن قطع حلقات «قرأتُ لك» مع كتاب د. أحمد أحمد سيد أحمد «الخرطوم تحت الحكم المصري» برغم وعدنا القاريء بمواصلتها في ختام الحلقة الخامسة أمس، وذلك لمستجد طرأ على مدينة عربية عزيزة وصامدة على مدى أكثر من ستين عاماً في وجه العدوان الصهيوني «الخارجي» فيما سبق، وحرب العصابات الداخلية التي تشنها الجماعات الاسلامية المتطرفة على الجيش والأمن المصري في سيناء حاضراً.. هي مدينة «رفح المصرية» شق النوى مع رفح الفلسطينية في قطاع غزة. ٭ المستجد والطاريء على مدينة رفح هو قرار اخلاء شريطها الحدودي الملاصق لاختها الفلسطينية، بعد أن تحولت العلاقة بين المدينتين الحدوديتين إلى علاقة «تحت أرضية» واصبح التواصل بينهما يجري عبر «الانفاق».. الانفاق التي بدأت بسماحة مصرية- حتى تحت نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك- من أجل رفع الحصار الظالم الذي تفرضه اسرائيل وحلفائها على الشعب الفلسطيني في القطاع.. لكن مع الأيام ومع تقلب الأهواء السياسية والاطماع والمصالح الشخصية تحولت الانفاق إلى «تجارة» رابحة، تجاوزت كل معايير القيم الأخلاقية والضوابط الأمنية وتقاليد حسن الجوار.. ٭ الليلة الماضية، سهرتُ مع حلقة حوارية «توك شو» على قناة «دريم- 2» قادها الزميل الصحافي القدير «وائل الابراشي» الذي تحول إلى واحد من أشهر بل ومن أهم مقدمي البرامج الحوارية.. وقد تزاملنا زمناً في «روز اليوسف» التي كان هو من أبرز محرريها وكان العبد الفقير كاتباً متعاوناً وراتباً يتردد على مقرها الكائن بشارع قصر النيل فانعقدت بيننا معرفة ريثما توطدت كإلفة، حتى لا أقول صداقة.. فحلقة الأمس كانت حلقة استثنائية، بالنظر إلى خطورة موضوعها وأهمية ضيوفها.. حيث تناولت قضية اخلاء الشريط الحدودي لرفح من سكانه، إخلاء وصف بأنه «طوعي ومؤقت» وإن لم يكن كذلك بالفعل إذا ما شئنا الدقة.. فهو إخلاء أملته «الظروف».. ظروف الحرب الضروس التي تخوضها مصر وقواتها المسلحة والأمنية ضد المتطرفين في سيناء وبالتالي فهو ليس «طوعي»، كما أنه ليس «مؤقتاً»، لأنه وبحسب متابعتي للحوار الذي شارك فيه عبر المداخلات الهاتفية بعض أهل رفح بالاضافة إلى محافظ شمال سيناء، كمداخل ايضاً، واللواء محمود زاهر الخبير الأمني والاستراتيجي بالاضافة إلى محامٍ كبير يدعى أحمد وسيدة مثقفة وناشطة اجتماعية من رفح من داخل الاستديو. ٭ قرار «الإخلاء»، وليس «التهجير» كما حاول أن يصوره بعض المراسلين والقنوات، يأتي ضمن حزمة قرارات حازمة، اضطر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لاتخاذها بعد العملية الارهابية الأخيرة التي راح ضحيتها أكثر من ثلاثين شهيداً ومثلهم من الجرحى اثر تفجير سيارة مفخخة على قوة عسكرية مرابطة جنوبي رفح.. من بين تلك القرارات حماية المنشآت العامة بقوات مشتركة من الشرطة والجيش وتحويل المتورطين إلى محاكمات عسكرية، اعمالاً للمادة (401) من الدستور المصري لعام 3102، والتي لم تكن مفعلة منذ اجازة الدستور في الاستفتاء الشعبي الأخير.. بالاضافة إلى اعلان حالة الطواريء في شمال سيناء- ومنها رفح والشيخ زويد- وحظر التجول من الساعة السابعة صباحاً إلى الخامسة مساء في تلك المنطقة.. وذلك بغرض حماية الأمن القومي ومحاولات اسقاط الدولة المصرية وتفكيكها، كما أعلن الرئيس السيسي في اعقاب تشييع شهداء العملية الأخيرة.. متهماً- ضمناً- جماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم في الداخل والخارج «التنظيم الدولي للإخوان» ودولاً لم يسمها بالوقوف وراء العملية «النوعية».. هي نوعية سواء بتخطيطها أو بتسليحها أو بالعناصر المشاركة فيها والتي تحدثت بعض المصادر الأمنية عن تسرب بعضها إلى البلاد عبر الانفاق. ٭ المساحة التي سيتم اخلاؤها ابتداء من اليوم من الشريط الحدودي لرفح تمتد بعرض 005 متر وبطول نحو 41 كيلو متراً تبدأ من شاطيء البحر المتوسط وتتجه جنوباً حتى حتى الشيخ زويد.. سيتم خلالها تدمير ما مجموعه (208) منزلاً، معظمها من البنايات متعددة الطوابق تضم اكثر من (0051) أسرة، بينها (87) منزلاً اكتشتفت القوات الأمنية انها حوت مداخل ومخارج للانفاق السرية، اما بساحتها أو في أماكن اخرى لم توفر حتى غرف النوم والمطابخ، هُدم أكثر من 09% منها حتى الآن، وتأثر نحو (021) منزلاً آخر مجاوراً جراء عمليات الهدم والتجريف. ٭ دار الحوار خلال ندوة دريم، حول ضرورات الأمن القومي التي اقتضت هذا الاجراء الحازم والحاسم والسريع.. ركز الأبراشي واللواء محمود زاهر على شرح المخاطر التي تمثلها الانفاق على أمن البلاد وسلامة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية التي تخوض «حرب وجود» على حد تعبير السيسي يوم التشييع، أهم جبهاتها سيناء.. وأكد الأبراشي وزاهر أنه لا صوت يعلو على صوت «الأمن القومي» بعد كل الذي جرى، حديث فقدت البلاد مئات القتلى من رجال الجيش والقوى الأمنية ومن أهل سيناء انفسهم جراء حرب العصابات التي تشنها الجماعة وحلفاؤها ضد الدولة المصرية وعمليات العقاب والملاحقة التي يتعرض لها الأهالي من قبل تلك الجماعات.. وذلك في اعقاب الاطاحة بالرئيس مرسي بعد انتفاضة 03 مارس وعزله في 3 يوليو 3102 بعد انحياز الجيش للشعب. ٭ المتحدثون من سيناء، بما فيهم الناشطة السيناوية «أماني» عبروا عن حزنهم الشديد على مفارقة ديارهم التي توارثوها أباً عن جد ونشأوا وعاشوا فيها.. فاصبحت مستودع ذكرياتهم.. لكنهم افصحوا في الوقت ذاته عن تصميم وطني يجعلهم يضحون بتلك الديار في سبيل أبنائهم الذين يقدمون أرواحهم قرابين لأمن مصر وسلامتها.. وإن أبدى بعض المداخلين من رفح عن قلقهم للسرعة التي طُلب بها الاخلاء، ابتداء من مساء أمس في حدود الثلاثمائة متر وخلال يومين في المائتي متر المتبقية، كما تخوفوا من امكانية تأخر التعويضات التي وُعدُوا بها نظير الإخلاء.. وهي التعويضات التي تقدر المتر المربع الخرساني ب0021 جنيه بسعر اليوم والبناء العادي «الطوبي» ب007 جنيه، بالاضافة إلى «تعويض اقامة» عن قيمة الأرض، بالرغم أن الأراضي في سيناء من املاك الدولة، بالاضافة إلى ايجار ثلاثة شهور للسكن المؤقت بتقدير ايجار الشقة في رفح وما حولها ب003 جنيه للشهر. ٭ محافظ شمال سيناء الذي خاطب الندوة- عبر الهاتف- طمأن مواطني رفح المتضررين بأنهم سيسلمون جميع تعويضاتهم ابتداء من غدٍ (اليوم)، وان كل ما عليهم أن يتوجهوا إلى مجلس المدينة صباحاً لاستلام التعويضات التي وصلت بالفعل إلى المجلس، كما أن إدارة المحافظة ستساعدهم في الحصول على مخازن لعفشهم ومتعلقاتهم إلى حين الاستقرار، وأوضح المحافظ ايضاً أن من فتحوا بيوتهم للانفاق السرية لن ينالوا اي تعويض، لانهم كانوا يتاجرون عبرها بكل الممنوعات من تهريب السلاح والمخدرات والبشر ويتأمرون ضد أمن بلادهم. إضاءات