الإدارات التي تعاقبت على البيت الأبيض لم يغب عن ذهنها يوماً دراسة العالم الإسلامي والحركات الإسلامية في العالم كله، وهي عبر وكالاتها المتخصصة ترصد وتتابع وأحياناً تخلق خلقاً بعض الحركات لتخلق أو تخل بها التوازن.. وذلك حسب متطلبات استراتيجيتها التي وُضِعَت للمنطقة المعنية، أو ما يستجد بها من متغيرات قد تؤثر سلباً على تنفيذ خططها، وبالتالي تكون خطراً محدقاً بالأمن القومي الأمريكي.. ما هو مثبت وواضح الآن أن الولاياتالمتحدة تخطط لضبط الإسلام وليس الإسلاميين، حتى يتماشى مع الواقع المعاصر، وذلك بدخولها للبنية التحتية لما وجدوا أن لا فرق بين متطرف أو معتدل، حيث يؤمن الجميع بجدوى الشريعة في حياة المسلم، ويعني أن الأمر يتطلب اللعب في الفكر والمعتقد، وهي تركز في دراساتها على المؤثرات للعمل الإسلامي في المنطقة، إيجابياتها وسلبياتها على الأمن القومي لأمريكا وكيفية مجابهة هذه الحركات وتدميرها، أو تسخيرها وكيفية تلبية طلباتها لتتقوى في مواجهة دولة أو فئة إسلامية أخرى.. مع الأخذ في الاعتبار ابتعاد العمل العسكرى لهذه الجماعات عن مناطق الأزمات.. الأمر الذي لم تستطع الآن إدارة أوباما ومن قبله بوش تحقيقه، حيث أصبحت منطقة الأزمات في الشرق الأوسط هي ذاتها محور نشاط الحركات الإسلامية في المنطقة، ويبدو أن الصهيونية العالمية شعرت وقبل أن يفلت زمام الأمر منها ،أن وقت القطاف قد حان، بحيث في خضم هذا التطاحن والتعارك تعود المنطقة برمتها إلى الشمولية والقبلية والإنكفاءة على الذات. إن العقلية الإستخباراتية هي المسيطرة قديماً وحديثاً على الموقف الأمريكي وتقوم بالدراسات للتيارات الفكرية التي يتشكل منها الإسلام كنظام للحياة بأكملها، واضعين في الاعتبار التباينات المذهبية بعد دراستها بعمق أيضاً واستغلال ذلك في إزكاء النيران، ونصرة هذا على ذاك حسب مقتضيات استراتيجيتهم والتي جعلت الحرب على الإسلام هي الأولى بعد القضاء على الشيوعية، وركزت استراتيجيتهم على تجاهل المركز العربي الذي بدأ ينتشر فيه التطرف فيما اعتمدت على الإعتدال في أطراف العالم الإسلامي، وأصبحت هذه الأطراف هي المصدرة للفكر الإسلامي المعتدل، ولنا جميعاً أن نحكم إلى أي مدى نجحوا في مسعاهم هذا. لقد صنعت بريطانيا في القرن العشرين محمد رضا بهلوي شاه إيران وأوهمته بل غرست في نفسه إنه سليل الأباطرة ووفرت أمريكا الحماية ثم لما أفل نجمه السياسي أو حقق لها في المنطقة ما تصبو إليه، انحنت لرياح الخمينية وهي تعلم إنها أشد على الدين من الشاه، ثم إن أمريكا هي من صنعت ومولت ودعمت بن لادن، حتى زعزعة كتائب الروس من أفغانستان بعد أن حققت هدفها الاستراتيجي الكبير المتمثل في مقاتلة المسلمين بعضهم البعض، وصار بأسهم بينهم شديداً، وأمريكا هي ناصرت العراق على إيران وهي نفسها التي أعطت الضوء الأخضر لصدام حسين ليغزو الكويت في مصيدة لم ينتبه إليها إلا بعد أن ابتلع الطعم كله، فصار هو الضحية أو الصيد الثمين كما أثبتت أحداث المنطقة العربية والمتغيرات الجذرية التي تبعت دخول قوات التحالف إلى العراق، إنها تعيد إلى الذاكرة التاريخية دخول التتار إلى العراق والمحرقة البشرية والعلمية والدينية، نعم فبنظرة متفحصة لخريطة الأحداث نجد أن أمريكا قد أفلحت في تحريك الشيعة من على البعد لزعزعة الخليج العربي قاطبة، وإبقائه مذعوراً باستمرار، خوفاً من انقضاض الفرس عليهم، إنه مخطط صهيوني شيعي قديم يجري تنفيذه على نار ليست هادئة، فقد ولى زمن الهدوء وصار اللعب مكشوفاً على الطاولة والحرائق تشتعل في توقيتات متزامنة. إن أمريكا هي خالقة التنظيمات الإسلامية المتعددة سواء المتحالفة أو المتنافرة، إنه خلق يحقق ديمومة الصراع الإسلامي الإسلامي، بحيث تكتمل صورة الإرهاب الذي دمغت به الآلة الإعلامية الغربية الإسلام والمسلمين، إنها حرب مادية قصد بها تدمير البنية الإسلامية، ولكن هيهات وهي أيضاً حرب معنوية يقصد بها تدمير العقيدة ومقوماتها، لقد استهدفوا تدمير الدين بالدين، وعن طريق بعض المنتمين إلى الدين حكاماً أودعاة.. كيف يفسر المسلمون والعرب الاقتتال الدائر في سوريا والصمت المطبق من أمريكا والغرب، بل ومن الحكام العرب المسلمين، والإختلاف حول من يُنصَر ومن يَنصُرَه، وكيف وبماذا وحدود الدعم، كل هذا لا يتم التفكير فيه إلا إذا أذنت به أمريكا، لقد قصد بكل هذا قتل دوافع القتال في الشام ضد إسرائيل بصفة خاصة وهي الآن تنعم بالأمن الذي يفتقده المسلم العربى. إن النظام العالمي لا يستطيع اسقاط الدين كقوة ضاغطة فاعلة يمكنها تحريك الشعوب بصورة أقوى من النزاعات القومية، ولقد فرضت مصلحة الولاياتالمتحدة إعادة النظر في موقفها من الإسلام وضرورة دراسته عن قرب معتمدة على الفهم الواسع والعميق للقرآن دستور الأمة والسنة النبوية التي تفسر وتشرح أسلوب ووسائل التطبيق العملي للدستور، وهي تعلم يقيناً أن مصالحها في العالم الإسلامي تقتضي تواجدها الفعلي أو بالوكالة في منطقة الأزمات هذه، ولن يتأتى إلا باستمرارية التفاعل المضاد للمكونات في المنطقة تحت أي مسمى، ولقد وجد الغرب عموماً ضالتهم لى بعض أبناء المسلمين المشايعين للغرب وفكره . إذا كانت أمريكا كما وصفتها إيران أثناء وبعد ثورة الخميني أتها الشيطان الأكبر، فقد أظهرت الأحداث المتلاحقة في المحيط العربي والإقليمي شيطاناً تفوق على أمريكا، وسهل لها المهمة، إنها إيران، شيطان المنطقة الأكبرالمارد الذي خرج من قمقمه فاستطال واستدار ليصنع مثلث رعب يحتوي داخله دوائر رعب هي الأخرى يزيد قطرها يوماً بعد يوم ولا يخلو تشكيلها حجماً ومساحة من تنسيق المهندس الأمريكي، فهناك داعش والفئات الأخرى ثم تأتي كتائب الإسلام من أوروبا لتقاتل إلى جنب الفصائل المتقاتلة في المنطقة العربية وفي ذلك نقل لما يسمى الإرهاب من الغرب إلى الشرق العربي المسلم وهنا يبرز التنسيق بين شيطان العالم وشيطان المنطقة ليرتمي الجميع في أحضان الشيعية الصهيونية، التي خططت بإحكام لمرحلة ما بعد الإنهيار للمناطق المستهدفة، لقد خططت أمريكا للصراع بين الشيعة والسنة ثم خلقت العداء ولو مستتراً للمملكة السعودية برغم المصالح التي تربطهما كما تقوم بنحريك أممي لبعض ملفات حقوق الإنسان في إشارة واضحة ورسالة بإمكانية تخلي الولاياتالمتحدة عن دعم السعودية وهي تعلم إنها كاذبة. لقد أغرى السكوت الأمريكي عن جرائم الأسد ثم الدعم الإيراني اللامحدود، أغرى المنظمات الإسلامية بالعبور إلى سوريا لصوملة المنطقة برمتها وتحويل جيش الأسد الذي كانت تتوفر فيه دوافع القتال، إلى ميليشيات متفرقة، وبالتالي فسدت نواة ثورة الربيع العربي السوري التي انفلقت إلى مجموعات تتقاتل فيما بينها وبدعم وعلم وتخطيط المخابرات الأمريكية، وإيماءات الرضا من صنوها الإيراني، لقد تحطمت الدولة السورية تحت أقدامهم ،إنه سيناريو أفغانستان يتكررفي سوريا، داعش الأمريكية بطشت بالجيش الحر وقادته وناشطي الثورة، وأُعيد إنتاج ظاهرة الأفغان العرب، فأفغان العراق تدعمهم سورياوإيران، كما أن داعش وجيش النصرة يعملان مباشرة تحت سمع وبصر الولاياتالمتحدة وأجهزتها، وليس هناك ثمة حاضنة شعبية لهاتين الفئتين تمكنهما من مواصلة القتال بهذا المستوى من المعدات والوسائل. متواليات الأحداث في منطقة الأزمات تؤكد عقب كل حدث وجود رابط استراتيجي قوي بين أمريكاوإيران، فمصالح أمريكا بهذا المنطقة تبيح لها التحالف مع الشيطان، وقد فعلت هناك تبادل للأدوار في منطقة الشرق الأوسط بشكل متناغم بين الاستراتيجيتين في كل من اليمن وسوريا على وجه التحديد، وهناك ود أو جميل محفوظ قديم، فقد خلصت الولاياتالمتحدةإيران من عدوها اللدود صدام حسين الذي كان حجر عثرة على طريق التمدد الشيعي في الخليج، ثم ذهب التنسيق بينهما أبعد من ذلك، وهو خلق عدو افتراضي ليكون وسيلة للتدخل العسكري المباشر في المنطقة، وقد كان كما حدث في قيام تنظيم القاعدة وخُلِقَت داعش الأمريكيةالإيرانية تحت سمع وبصر المجتمع الدولي رغم أنفه، إنه اتفاق أو توافق وضع اللمسات قبل الأخيرة لخريطة الشرق الأوسط الجديدة وتحديداً المنطقة العربية التي قد يتجلى فيها الهلال الشيعي الإيراني، محققاً بداية حلم السيطرة لمداخل المياه العربية ثم تطويق السعودية، إنه حلم راود إيران أيام الشاه أفاقه منه عبد الناصر وكلاهما له مع الأمريكان حكايات. هذا التقارب أو التنسيق الإستراتيجي الصهيوني الأمريكي الإيراني هو أكبر صفعة توجهها أمريكا لدول الخليج العربي المغلوبة على أمرها، وأصبحت كالمستجير من الرمضاء بالنار، فهذا التنسيق أو الحلف ينبىء ببداية أخطر مراحل الهيمنة الإيرانية على مناطق نفوذ السنة تأريخياً فإن العلاقات اليهودية والنصرانية والفارسية الشيعية تشير إلى وجود روابط ثقافية ومصالح بين الفرس، واليهود كما أن اسرائيل لم تقل يوماً أن إيران هي العدو، ثانياً العلاقات الشيعية النصرانية.. حيث لعبت إيران دوراً كبيراً في تقويض الدولة الإسلامية حتى قيل لولا الإيرانيين لكنا نقرأ القرآن في بلجيكا.. عقدياً هناك قواسم مشتركة بين العقيدة الشيعية واليهودية والنصرانية أولها تحريف الكتب السماوية، وثانيها بغض أهل السنه.. أما الشق السياسي فتخطيط الخميني كان إقامة حزام شيعي للسيطرة على العالم الإسلامي، بحيث يشمل الحزام إيران، العراقسورياولبنان ومن القواسم السياسية المشتركة، أيضاً حروب الجيل الرابع التي ابنتها أمريكا وهي حروب تهدف إلى افشال الدولة عبر استخدام المتضادات ونقاط الإختلاف وتوزيع نسب السكان والأزمات، تكوين حالة من عدم التوازن بين الأطراف المختلفة دينياً أو ثقافياً أو سياسياً.. هذا ولابد من الإشارة إلى الرابط بين المشروع الإيراني والمشروع الصهيوني، فكلاهما يهدف إلى تأمين كياته، وإن استلزم ذلك شن حروب داخلية أو خارجية للهيمنة وتحقيق التفوق مع تحطيم أي قوة بالمنطقة وهو ما يجري الآن. ختاماً: وحتى لا ننخدع بالشعارات علينا ونحن نتناول طبيعة العلاقة بين الشيطانين الأكبر والإقليمي، أن نفهم الإختلاف بين الخطاب الإستهلاكي العام الشعبوي وبين الإتفاقات والمحادثات السرية التي يجريها هذا الثلاثي ونضع في اعتبارنا أيضاً أن العلاقة بين أضلاع التثلث إنما تقوم على المصالح والتنافس الإقليمي الجيواستراتيجي وليس على الأيديولوجيا والشعارات العقدية، أما العلاقة الإيرانيةالأمريكية فهي على وجهين في المنطقة، سياسة المصالح المشتركة، وسياسة التدافع والصراع ولن تكون مواجهة بين القوتين إلا في الساحات التي تتعارض فيها المصالح بينهما. هذا التقارب (حلف الشياطين) حصلت بموجبه إيران على مكاسب أولها الحصول على إعتراف بأنها قوة نووية لها الحق في تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية، ثم الإتفاق على تخفيف الحظر على إيران تمهيداً لإطلاق سراح مليارات الدولارات المجمدة في البنوك الغربية، كما تم الحصول على تعهد أمريكي بعدم العمل على الإطاجة بالنظام الإيراني ثم أخيراً انتزاع دور إقليمي لإيران يتناسب مع حجمها الجيو إستراتيجي يشمل اليمن، لبنانوالعراق!!!! إن الحلف الأمريكي الإيراني واضح بالإسلام وضد الإسلام وهو يهدد ليس الأمن القومي العربي وحده، بل يهدد بهدم الموروثات والقيم الدينية والأخلاقية فمتى يتنفس صبح العرب والمسلمين. فريق ركن