٭ نشرت إحدى جرايد الخرطوم صباح أمس (السبت) على صفحتها الأولى خبراً يقول الآتي: ٭ كشف «مصدر مأذون» عن بدء «جهة رسمية» في التحقيق في الخبر الذي نشرته صحف ومواقع خبرية مصرية عن قيام رئيس «مشروع تنمية أفريقيا» التابع لجمهورية مصر العربي، المهندس إبراهيم الفيومي بعقد «اتفاقية ثنائية» مع السلطان سعد عبد الرحمن بحر «المسؤول» عن قبيلة «المساليت» في ولاية غرب دارفور، في اطار مشروع نهري النيل والكونغو. وشدد المصدر- «المأذون طبعاً»، وهذه من عندي- على أن السودان بلد «مستقل»، وأن الأعراف الدولية تحظر على الدول عقد اتفاقيات دولية خارج اطار الحكومة المركزية والجهات السياسية. يذكر أن «الاعلام المصري» أشار نهاية الاسبوع المنصرم إلى توقيع اتفاق مع زعيم قبلي في دارفور ضمن مشروع ربط نهر الكونغو بنهر النيل. وتتخوف مصر من انخفاض حصتها من مياه النيل عقب انشاء اثيوبيا «سد النهضة» على النيل الأزرق، الذي يوفر 85% من مياه نهر النيل. ٭ الجريدة اتخذت للخبر عنواناً لم يرد مضمونه أو أي من كلماته في نص الخبر الذي طالعتموه أعلاه يقول العنوان: تحقيق في مزاعم توقيع مصر اتفاقاً مع قبيلة في دارفور «لانشاء سد مائي».. فالاتفاق الثنائي إذاً، بحسب العنوان هو على انشاء السد في «دار مساليت» غربي دارفور حتى يتم الربط بين «نهري النيل والكونغو»!! ٭ أولاً: كيف لعاقل أن يتصور أو يخطر بباله- ولو من باب الخيال- أن مصر- إحدى أقدم الدول المركزية في العالم- وشريكة بريطانيا في الحكم الثنائي.. للسودان الانجليزي- المصري.. وصاحبة اتفاقية الجلاء عن السودان قبل مصر (3591).. أن تُقدم على توقيع «اتفاقية ثنائية» مع شيخ أو شرتاي أو ناظر في غرب السودان أو شرقه أو جنوبه.. غض النظر عن موضوع الاتفاقية!! أو أن تحتاج مصر لمن يُذكّرها أن السودان «دولة مستقلة ذات سيادة»!! ٭ ثانياً: نسى كاتب الخبر، زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أول جولة خارجية له الخرطوم في طريقه إلى القاهرة منذ شهور قليلة ودعوة الرئيس السوداني عمر البشير لزيارة مصر، والذي لبى الدعوة على رأس وفد كبير من الوزراء والمستشارين، بما فيهم وزير الخارجية ووزير الدولة للدفاع ووزير الاستثمار ووزير الري.. الزيارة التي انتهت بترفيع اللجنة الوزارية المشتركة بين البلدين لتصبح «رئاسية» يرأسها البشير والسيسي وتجتمع كل ستة شهور بالتعاقب بين القاهرةوالخرطوم.. كما نسى اللجنة الثلاثية المشتركة بين وزراء الري في كل من مصر والسودان واثيوبيا التي تنهض بتذليل الصعاب والمشكلات الفنية والقانونية والبيئية المتصلة بمشروع سد النهضة، والتي يلعب السودان فيها دوراً محورياً مُسهّلاً بين البلدين وانتهت مؤخراً إلى تشكيل فريق خبراء دولي لمراجعة المشروع وآثاره على دولتي المصب مصر والسودان.. فهل ضل السيسي الطريق إلى «دار مساليت» ووجد نفسه فجأة في الخرطوم في طريق عودته من غينيا الاستوائية؟! ٭ ثالثاً: وللمصادفة فإنني قد تابعت أكثر من ندوة تلفزيونية في القنوات المصرية مع الدكتور وخبير الري المصري إبراهيم الفيومي ورفاقه من العلماء المهتمين ب«فرضية» تحويل الفائض من مياه نهر الكونغو، التي تصب معظم في المحيط الأطلنطي، حيث لا حاجة لها في معظم الأراضي الواقعة على شواطئه بالنظر إلى غزارة الأمطار الاستوائية في محيط مجراه.. الدكتور الفيومي ورفاقه في المبادرة- الأهلية العلمية- لم يتحدثوا اطلاقاً عن «مشروع» وانما يسمون جهدهم «مبادرة».. وهو جهد نظري وعلمي ينطلق من فكرة التعاون المصري- الأفريقي، خصوصاً والدكتور قد عمل لسنوات طويلة مندوباً لوزارة الري المصرية في منابع النيل الأبيض وبحيرة فيكتوريا وروافدها من الكونغو ويوغندا والدول المحيطة.. والفكرة «الافتراضية»-Hypothetical- تتحدث بحسب الفيوم وزملائه في «المبادرة» عن نهر موازٍ للنيل، وليس عن رافد للنيل يصب في بحيرة السد العالي أو خزان أسوان، فطاقة السدين التصميمية لا تستوعب أكثر مما يتدفق عليهما من النيل العظيم بالفعل.. فهم يفكرون في نهر مواز أو رديف.. أي أن الحكاية كلها تدخل في اطار «الخيال العلمي» أو «الدراسات المستقبلية» كما يقولون، وتبدأ وفق تصورهم بشق قناة عبر جنوب السودان بمحازاة النيل الأبيض حتى يدخل شمال السودان ثم يشق مجراه إلى «الفيوم» في مصر ويواصل مسيره لينتهي عند البحر المتوسط.. تصور أن هذه الفكرة الخيالية والعلمية المستقبلية حولها الخبر إلى «مشروع» فوري يتم الترتيب لتنفيذه عبر اتفاق ثنائي بين الدكتور الفيوم، الذي لا يحتل أي منصب رسمي في الحكومة المصرية، انما هو موظف أو عالم «بالمعاش» وسلطان المساليت «سعد عبد الرحمن بحر» ومن وراء ظهر الحكومة السودانية، ويتفق الرجلان على «اقامة سد» في اقاصي غرب دارفور لتوصيل مياه نهر الكونغو إلى النيل!! ٭ رابعاً: هو نسبة الخبر إلى «مصدر مأذون»، ادلى بتصريح «كارثة» تتمثل في أن«جهة رسمية»- لم يسمها أيضاً- أخذت ما نُسب إلى «صحف ومواقع أخبارية مصرية»- مُجّلهة كذلك- مأخذ الجد وشرعت في «التحقيق»، ليضيف «المصدر المأذون» حرصه على سيادة البلاد واستقلال السودان، الذي انتهك وفقاً لفحوى الخبر من قبل المهندس إبراهيم الفيومي بالاتفاق مع السلطان بحر، الذي يصفه الخبر ب«المسؤول عن قبيلة المساليت».. ما يجعل هذا السلطان عرضة للحساب والعقاب المستحق «لانتهاكه سيادة السودان واستقلاله والتصرف في وحدة اراضيه وحدوده الدولية» بإقامة «سد» لصالح مصر وإبراهيم الفيومي «التابع» لها بحسب صياغة الخبر؟! ٭ خامساً: الخبر، موضوعاً وصياغة، يعكس هوان «صناعة الأخبار» على الناس في بعض الصحف السودانية.. حيث التواضع المهني يمتد حتى يلامس تخوم الضعف الاخلاقي وعدم المسؤولية وغياب التدقيق، حتى في الأخبار التي تمس علاقات بأهمية وحساسية العلاقات المصرية- السودانية!! ٭ أخيراً قد تكون بذرة «الخبر المسخرة»- كما اتصور- لقاء عابر جرى بين الرجلين في مكان ما وتحدثا فيه عفو الخاطر عما دار في الندوات التي عقدها الدكتور الفيومي ورفاقه في مبادرة تنمية افريقيا فالتقطها صحافي مبتديء، أو آخر صاحب غرض و ضليع في الفبركة، وتم نسج كل هذه «الحكوة العبيطة» حولها!!