تعد المبيدات الزراعية من أهم أساسيات نجاح الموسم الزراعي وبالتالي إنعاش النهضة سواء كانت اقتصادية أو زراعية، وقد بدأ استخدام المبيدات منذ الأربعينيات وارتفعت تكلفتها في العام 1970 بنسبة 20%، إذ تقدر مبيعات المبيدات بأكثر من 35 بليون دولار أمريكي، ولقد لاحظ خبراء زراعيون أن الدول النامية أكثر استهلاكاً للمبيدات من الدول المتقدمة، واعتبر الخبراء السودان من الدول التي تسيء استخدام المبيدات لغياب الإرشاد الزراعي في حقول المزارعين، بجانب نقص في خدمات الإرشاد الزراعي الذي أغرق الأسواق بالمبيدات الأصلية والتقليدية والمحظورة لمن يستخدمون هذه المبيدات، وتكون النتيجة المباشرة لسوء الاستخدام هي تلوث البيئة بالمواد الكميائية. وأشار وزير الدولة بوزارة مجلس الوزراء الأستاذ جمال محمود إبراهيم خلال الملتقى التفاكري حول الكيماويات الزراعية «حالة المبيدات»، إلى خطورة المبيدات إذا ما أسيء استخدامها من حيث التوقيت أو التخزين وآثارها السالبة على الإنسان والحيوان والنبات، وقال إن المبيدات ارتبطت بتفشي الأمراض في بعض المناطق، وأكد أن الدولة تتعهد برعاية مثل هذه الملتقيات التي تسهم في النهضة والتنمية حتى يستقبل السودان العام 2015 وهو ينعم بالأمن الغذائي. وناقش الملتقى ورقة أولى بعنوان «سوء وإساءة استخدام المبيدات في السودان» قدمها البروفيسور نبيل حامد بشير عضو بالمجلس القومي للمبيدات، كشف خلالها أن المبيدات من ناحية قانونية هي سموم اقتصادية مهمة الغرض منها مكافحة الآفات والسمية فيها تعتمد على الجرعة، مشيراً إلى أن اللجنة الفنية بالمجلس لا تسمح بدخول مركبات مسرطنة أو بها شبهة سرطنة أو مسببة للتشوهات الخلقية في الأجنة أو مسببة للطفرة أو الاجهاض أو المسببة للاضطرابات الهورمونية، كما أنها لا تسمح بدخول مبيدات فائقة السمية وعالية السمية، وقال إن الجهات المسؤولة تخفي المعلومات الحقيقية عن ما يوجد بمخازنها من الكميات المطلوبة، بجانب تأخر فتح العطاءات حيث يتطلب وجود المبيدات بالمخازن قبل الخريف، وطالب بضرورة إضافة لوائح جديدة لقانون المبيدات ومنتجات مكافحة الآفات وتغيير طرق التعاقدات بخصوص شراء المبيدات ورشها، بجانب تشجيع الشركات القادرة على تصنيع وتجهيز المبيدات محلياً حتى تعود الفائدة لكل الجهات، ونوه إلى عدم شراء المبيدات المهربة من الداخل أو الخارج مع الالتزام بالجرعات الموصى بها. دكتور إنصاف شيخ إدريس خبير زراعي - هيئة البحوث الزراعية استعرضت ورقة ثانية بعنوان الاستخدام غير المرشد للمبيدات كشفت خلالها أن الرقابة على سوق المبيدات بالسودان ضعيفة وتكاد تكون منعدمة، حيث يدير محلات المبيدات أفراد غير مرخص لهم في أغلب الأحيان بالرغم من وجود جهاز رقابي للتفتيش الدوري لهذه المحلات، وقالت إن الوضع يحتاج لتطبيق القانون الذي ينظم التداول والإتجار في المبيدات بالحصول على تراخيص من مجلس المبيدات، وأشارت إلى عدم رقابة في تطبيق المبيدات خصوصاً على الخضروات والتي تؤكل طازجة كما حدث خلال موسم هذا العام على محصولي الطماطم والبامية بالأسواق المحلية في عدة ولايات، حيث تم استخدام المبيد بجرعة أكبر من الموصى بها مما أدى إلى زيادة مستوى المتبقي من المبيد في وقت الحصاد عن الحد المسموح به، وأكدت أن هنالك تقارير توضح أن نحو 3 ملايين حالة تسمم بالمبيدات تحصل سنوياً وتؤدي إلى عدة آلاف من الوفيات بما فيهم أطفال، وذكر تقرير أن معظم الحالات تقع في المناطق الريفية بالبلدان النامية التي تفتقر إلى الإجراءات الوقائية المعروفة أو تنعدم فيها، وبالرغم من اعتماد البلدان النامية على 25%من إنتاج العالم من المبيدات إلا أن 99%من الوفيات جراء المبيدات وحوادث التسمم تقع في هذه البلدان، كما أظهرت دراسة أجريت على 600 عامل في صناعة المبيدات إصابة نسبة كبيرة منهم باضطراب الأعصاب الطرفية وأمراض الحساسية وتصلب الشرايين وتضخم الكبد في حوالي 30%من العينات، بالإضافة إلى الأمراض الجلدية، كما ظهرت نسبة من هذه المبيدات في عينات مصل الدم، وأضافت أن هنالك بعض المزارعين يستخدمون أكثر من مبيد في تركيبة واحدة أو ما يعرف «بالخلطة» دون النظر للزمن الذي يقطف فيه المحصول، وقد يحتوي على تراكيز عالية غير مسموح بها ليتناولها الإنسان، وقالت د.إنصاف إن هنالك فترة تسمى التحريم لا يجوز فيها تسويق المنتج الذي تعرض للرش بالمبيد إلا بعد انقضائها وهي فترة السماح، وتختلف من مبيد لآخر وحملت العاملين بوزارة الزراعة أهمية نشر التوعية حول نوع المبيد ونسبة خطورته وكيفية التعامل معه وفترة الأمان اللازمة، وذلك لما لها من خطورة على صحة الإنسان، كما أن لها آثاراً أخرى تتمثل في تلوث المياه والهواء و تآكل الأوزون في الغلاف الجوي نتيجة تلوث الهواء بالمبيدات في صورة أكاسيد الكربون أو الكبريت والتي تدخل في تفاعلات كيموضوئية تؤثر على ثقب الأوزون، كما وجدت تركيزات من مبيد ال «دي دي تي» في الماء ببحيرة في كاليفورنيا أثرت على الأسماك والطيور، وأشارت إنصاف إلى أن كمية المبيدات التالفة الموجودة داخل القارة الأفريقية بلغت حداً خطيراً، حيث قدرت ما بين 20000 إلى60000 طن متري، وفي السودان تم حصر 34 مخزناً تحتوي على مبيدات تالفة تصل كميتها إلى حوالي خمسة أطنان، بجانب أكثر من ألف طن من الفوارغ التي تشكل خطراً على البيئة وصحة الإنسان وتهدد محاصيل الصادرات البستانية، وكشفت إنصاف أن السلطات لم تحرك ساكناً لاحتواء الخطر حول مقبرة الحصاحيصا التي دفن فيها ما يقارب 500 طن من المبيدات التالفة وأن برنامج الأممالمتحدة أعد تقريراً في أغسطس 1992 يعكس مدى خطورة الوضع البيئي الذي يهدد حياة وأرواح المواطنين والكائنات الحية في الحصاحيصا تفاعلت معه العديد من جمعيات حماية البيئة العالمية وبعض الجمعيات المحلية، إلا أن الوضع البيئي لا يزال ينذر بالعديد من المخاطر التي تهدد حياة المواطنين، وأضافت أن عناصر الإجراءات السليمة لتداول المبيدات تتضمن في الاستخدام والنقل والتخزين الآمن والتخلص الآمن من العبوات الفارغة والإجراءات السريعة التي يجب اتخاذها عند التسمم، بجانب أهمية الحصر الشامل لجميع تجار ومصنعي ومستوردي المبيدات مع بيان الأنشطة الخاصة بهم من حيث نوعية وكمية المنتج المتداول سنوياً، وطالبت بضرورة وضع تشريع جديد يتواكب مع المتغيرات العالمية يختص بالمبيدات.