عندما غادر وزير الدولة بالاعلام ياسر يوسف علي رأس وفد إعلامي الي جمهورية مصر ، كان الإعتقاد السائد أنها زيارة مثلها وأي زيارة إن لم تكن غير خارجة عن زيارات روتينية وتقليدية يقوم عدد كبير من المسوؤلين ، وسبق الزيارة زخم إعلامي ربما مرده أن قائد الوفد هو بيده مقاليد الإمور الإعلامية بجانب كونه أمين الإعلام بالحزب الحاكم. وبالتالي حق له ان تُسلط الاضواء علي تحركاته وسكناته ناهيك أن تكون تلك الخطوة زيارة خارجية وفوق ذلك الي مصر. ومن هنا تكمن اهمية الزيارة بالنسبة للحكومة والتي تعتبر أولي الثمرات التي تم قطفها لزيارة رئيس الجمهورية الي القاهرة مؤخراً. ولكن هل حققت الزيارة أهدافها ؟ وما الذي الذي كانت تريده الخرطوم ؟ وهي تبتعث ياسر يوسف الي قاهرة المعز ليتابع مخرجات قمة (البشير والسيسي) والاخيرة والتي كانت من اهم اللقاءات بين رئيسا البلدين بشهادة البشير الذي قال عقب عودته من مصر انه لاول مرة يشعر باطمئنان وراحة وهو يزور القاهرة . بالنظر للوهلة الاولي لرئيس الوفد قد يقول قائل أن الخرطوم أخطأت التقدير بابتعاث وزير دولة يستوزر لأول مرة ، بل انه لم يكمل عامه الاول في منصبه .. لكن بنظرة فاحصة ودقيقة فإن الزيارة حققت اكثر مماكانت تتوقعه الخرطوم فضلا عن ذلك نتجت عنها معطيات داخلية قبل الخارجية ولكن فلنبدأ بالاخيرة. أولاً : كان ختام الزيارة هو المفاجأة حينما إلتقي ياسر برئيس مصر عبد الفتاح السيسي ، في لقاء إمتد لنحو ساعة وهو مايعني أن مصر أصبحت حريصة أن تسمع من الحكومة بالخرطوم ومن كافة مستوياتها ومن جانبها ? أي مصر ? هي في اعلي المستويات. فالتاريخ يكاد لا يوثق لاي لقاء مع مسوؤل سوداني مع رئيس مصري ربما عدا وزيرا الدفاع والخارجية اللذان كانا يبعثهما البشير الي الرئيس الاسبق حسني مبارك ، بل أن الاخير كان لا يصافح المرافقين للرئيس فجرت العادة أن مبارك يستقبل البشير علي سلم الطائرة ويدير ظهره متوجها نحو السيارات الرئاسية ولا يعير إهتماماً بمرافقيه وتتوجه الوفود الي قصر الإتحادية. وهناك يسمح للمصورين في دقائق معدودات بالتقاط الصور ومغادرة مكان إجتماع الرئيسين . بينما الان الصورة تغيرت تماماً. ثانياً : أن الحكومة فطنت لأول مرة أن متابعات مابعد لقاء قمة الرئيسين ينبغي أن يبدأ بالملف الإعلامي فالمشكل ? أو لنقل سوء الفهم بين البلدين ? أساسه إعلامي لأن الإعلام المصري هو الذي ينحرف كثيراً جداً عن مساره عند تطرقه لعلاقات البلدين كما أنه يسعي لإثارة الفتنه وإحداث (فتق) في العلاقة وتوسيعه بشتي الصور حتي وإن كان بطريقة (فجة) أقرب ماتكون غبية مثلما فعل الإعلامي عمرو اديب لدي زيارة البشير الاخير لمصر عندما إعتبر عدم وجود العلم السوداني بجوار البشير عند إجتماعه بالسيسي محاولة للإنتقاص من السودان وينحسب ذات الامر علي وجود خريطة مصرية تشير لمصرية حلايب وهو مايجافي الحقيقة فالعلم لاي ضيف زائر لايوجد بجانبه عندما يكون في مكتب الرئيس المستضيف وكثير جداً من الصور علي الشبكة العنكبوتية تؤكد ذلك ، بينما الخريطة المصرية موجودة منذ عقود بالقصر الرئاسي وطبيعي أن تضم حلايب طالما هم يعتقدون ذلك. ثالثاً : أن الخرطوم أحدثت إختراقاً حقيقياً باقتحامها معقل صناعة القرار المصري من خلال صحيفة الإهرام العريقة ووكالة انباء الشرق الاوسط حيث أدار ياسر حواراً عميقاً مع المسوؤلين بالمؤسستين خاصة الاهرام يتوقع منه أن يغير في مسار علاقات البليدين. رابعاً : اظهرت الحكومة جديتها حيث عملت بالمثل (أطرق الحديد وهو سخن) في متابعة الملفات مع مصر بقيام الزيارة في وقت مناسب وفي البال مسائل سابقة ظلت معلقة رغم إقرار اللجنة الوزارية العليا بين البلدين بها. أما البعد الداخلي الذي كسبت منه الحكومة والمؤتمر الوطني من خلال هذة الزيارة المهمة فينحصر في عدد من النقاط وهي : أولاً : أن الوطني أكد أن التغيير الذي أعلنه بتقديم الشباب هي مسألة حقيقية وان اولئك الشباب فاعلون بدليل منحه الثقة لياسر وهو الحديث التجربة وصغير السن ليقوم بزيارة لاهم دولة في المنطقة وفي هذا التوقيت بل هي ليست زيارة عادية وإنما إستكمال لمخرجات قمة رئيسي البلدين. ثانياً : الدفع بياسر إشارة الي ثقه الوطني في وجوهه الجديدة وتحرره من هيمنة الكبار خاصة وان الملف المصري يكاد يكون حكراً علي الوزير مصطفي عثمان إسماعيل لسنوات طويلة مايعني انه آن آوان تغيير تلك النظرة الضيقة وفك أسر الملف من قبضة يد مصطفي عثمان وأخرين . ثالثاً : أن رئيس الوفد تحدث في مصر بلغة الكبار واكد انه علي قدر المسوؤلية عندما اعلن أن الخرطوم لاتأوي معارضي القاهرة وطالب الاخيرة التعامل بالمثل إذ قلما يصرح مسوؤل سوداني زائر لمصر بمثل التصريح الجرئ لياسر. رابعاً : أن يوسف إستثمر مظلته الحزبية كقيادي بالوطني فتوصل لتفاهمات مع أهم المؤسسات الإعلامية وهي مجموعة الحياة التي يترأسها رئيس حزب الوفد وهو وثيق الصلة بالمؤتمر الوطني وهذا من شانه أن يحدث تقارباً بين الوطني والاحزاب المصرية بل يزيد من ذلك التقارب. خامساً : أن وفد ياسر ضم الرجل الهمام الذي يعمل في صمت مدير قناة الشروق المهندس محمد خير فتح الرحمن وقد أبرم الرجل إتفاقات واضح انها ستظهر للعيان في الإنتخابات ، والوطني من حقه ان يوظف الته الإعلامية في ذلك الخصوص. ومهما يكن من أمر فإن يوسف وبحجر واحد إصطاد عدة عصافير وإنجز مايليه من ملف.