غاب عن دنيانا رجل كان له دور في اخراج الثقافة السودانية من متاهات الشفاهة الى رحاب الكتابة والتوثيق، مما حدا بعدد غير قليل من الكتاب والمثقفين أن يجدوا الفرصة في نشر أعمالهم الأدبية والتوثيقية لأحداث ومذكرات، لتجارب نادرة ستبقى ذخراً للأجيال القادمة.. فالعين تدمع والقلب محزون لفقد رجل الأعمال والصديق محمود صالح عثمان صالح، الرجل الذي دفع بكثير من وقته وماله من أجل نشر وحفظ التراث الثقافي السوداني.. فمحمود ليس فقداً لآل عثمان صالح وحدهم بل فقد لكل السودان، وبالاخص المهتمين بتوثيق ثقافة هذا الوطن، فكل الاصدارات التي تزدحم بها رفوف مركز عبد الكريم ميرغني كان يقف المرحوم على طباعتها شخصياً، ويهتم بكل التفاصيل حتى ترحيلها للوطن، هذا الى جانب المجهود العظيم الذي قام به في جمع وترجمة ونشر الوثائق البريطانية الخاصة بفترة الحركة الوطنية في الاربعينيات، كما نشر كتاب (آفاق الخرطوم) وهو ترجمة لمحاضرات دار الثقافة في تلك الفترة، ونشر (كتاب السودان) للمؤرخ البريطاني هارولد ماكمايكل. ستفتقده الجالية السودانية في لندن لدوره الفعال وأياديه الندية اينما كان لذلك حاجة، كما سيفتقده جميع من عاشروه لطيب معشره، وصفاته الراقية، وهدوئه الذي ينم عن نفس مطمئنة، يكاد يهمس وهو يحدثك مبتسماً في أدب جم غير متكلف، ستفتقده المدرسة السودانية في لندن، فهو أهم رعاتها، كما ستفتقده جامعة بيرقن في النرويج فقد قدم لها الكثير من التراث السوداني. حزننا عظيم وفقدنا أعظم لكننا ممتثلون لقضاء الله وقدره، ونسأله تعالى لك الرحمة وأن يتقبلك بين الصديقين والشهداء، وأن يلزم أبناءك وأهلك وإيانا الصبر الجميل.