و أنا أطالع خبراً محزناً عن مقتل شاب متطلع للحياة.. صدمني أشد ما تكون الصدمة قول أحد الشهود إنه قد أسعف المجنى عليه الذي كان ينزف بشدة إلى مستوصف بالحي، لكن المستوصف رفض علاج الجريح النازف بحجة عدم وجود أورنيك (8) فهرع الشاهد إلى إسعاف المجني عليه لمستشفى شرق النيل، لكن الشاب الجريح كان قد لفظ أنفاسه الأخيرة قبل الوصول للمستشفى بخمس دقائق.. وتساءلت بين مشاعر الحزن والغضب و الاندهاش عن سر قداسة أورنيك (8) الذي تهون دونه روح إنسان.. إذا علمنا أن القانون يلزم أي شخص بمساعدة مصاب تصادف وجوده في الطريق العام، يكون إسعاف هذا المصاب أوجب على طبيب نُقل إليه الجريح.. هذا ما يقوله المنطق، ويقول به الواجب، وتقول به الأخلاق.. وإذا كان الأورنيك مرتبطاً بإجراء ضروري يخص الشرطة في أداء واجبها تجاه الجناية، فلا أظن أن (الشرط) الخاص بأورنيك (8) ملزم في كل الأحوال ولو أدى للمخاطرة بحياة المصاب، ويقول المنطق أيضاً إن المشرع الذي وضع المادة الملزمة بمساعدة أي مصاب في الشارع العام،لا يمكن أن يضع إجراء مهدداً لحياة نفس الإنسان الذي حمى القانون حياته بنص صريح. هذا الموضوع ذو الحلقة المفقودة يجعل التساؤلات الحيرى تتزاحم في ذهن أي متابع له، ويأتي على رأس هذه التساؤلات: هل يقع الطبيب في مخالفة قانونية إذا أسعف مصاباً بدون التقيد بوجود أورنيك (8)؟ يبدو واضحاً من السياق أن هذا الطبيب يخالف القانون إذا تجاهل أورنيك (8) الغائب، ويكون قد طبق القانون إذا أصر على إرجاء معالجة المصاب النازف لحين حصول ذويه على أورنيك (8)، ويبدو أيضاً أن الإجراء المتعلق بالأورنيك يفترض ضرورة إبلاغ الشرطة أولاً بوقوع الجناية، باعتبار الشرطة هي الجهة المسؤولة عن متابعة الحادث الجنائي؛ لكن لا بد أن تكون التجارب قد كشفت ثغرات في هذا الإجراء تهدد حياة المواطن.. الشيء الذي يستلزم تعديلات تحقق الغرض الذي من أجله وضع القانون.. ومن أجله صمم هذا الأورنيك الذي كاد يقود لنتائج عكسية، ولا بد أن تكون التجارب قد أثبتت أن إسعاف المصاب يجب أن يسبق فتح البلاغ، وإلا يكون الأورنيك الغائب حائلاً دون إضطلاع الطبيب بواجبه تجاه جريح ينزف. موضوع مهم للغاية.. أدعو أن ينهض أحد الصحفيين من الشباب النابه لعمل تحقيق صحفي كبير يتناول الموضوع من جوانبه المختلفة التي ويشترك فيه الشرطة والمستشفى والنيابة والمواطن .