مرّت أربع سنوات على ثورة 25 يناير المصرية التي كان إلتحاق الأُخوان بها ظرفاً طارئاً، سرعان ما تمكنت قوى الشعب الحيّة من إزاحة آثاره السّالبة. لقد وضعت الجماهير المصرية ثورتها في مسارها الصحيح بعد تجربة قاسية، و كان أهم دروس التجربة ،هو، أن تغرير الجماهير ب «المقدّس» و إحتكاره في لسان جهة بعينها، سيفضي إلى تنكُّب الطريق والوقوع في براثن الإختيار الخطأ...ولأن «الأُمّة» لا تجتمع على ضلالة، فقد تنادى الشعب إلى إصلاح ما أفسده حكم المرشد، بالنزول الى الشارع مرة أخرى، في الثلاثين من يونيو، بعد عام طويل، كان عبئاً على مصر و المنطقة، وعلى الإسلام والمسلمين.. وبذلك قطعت الثورة المصرية الطريق أمام الخلايا التي كانت تنتظر في القاهرة خلافة كخلافة البغدادي.. و الثورة لا تحقق أهدافها بين يوم وليلة، لكن ثمرة الثورة المصرية تبدو الآن في إعتراف الدولة المصرية بضرورة تغيير مفاهيم ، وفي ذلك الخطاب الجريء الذي أدلى به الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي،أمام مشائخ وطلبة الجامع الأزهر، في ليلة المولد، عندما قال،« إنه لا يمكن أن يكون هناك دين، يتصادم مع الدنيا كلها»..! قال السيسي،أن المشكلة ليست في الدين الاسلامي،إنّما في«الفكر» الذي يقدّم الإسلام على أنه دين القتل والتخريب والتفجير،، إذ ليس من المعقول يقول السيسي أن يكون هناك مليار من البشر، يدعوهم دينهم السماوي إلى قتل السبعة مليار الباقين من خلق الله، ليعيشوا هم وحدهم فوق كوكب الأرض..! وأعجب من ذلك إستطراداً و قولاً على قول أن ذلك المليار، حين يبيد الآخرين ويقضي على حيوات الجنس البشري، سيتقاتل فيما بينه، من أجل «تحكيم شرع الله»..!وماهو شرع الله بزعمهم..؟ شرع الله بزعمِهِم، هو«تلك الأفكار المقدسة لآلاف السنين،وهي بعيدة عن صحيح الدين»..! قال الرئيس المصري، إنه ومن غير المعقول،أن نظل نقدس أفكاراً ونصوصاً لآلاف السنين، وهي بعيدة عن صحيح الدين..! هذا الحديث، سمعته آذان الأزهريين كثيراً، لكن لم تسمعه من رئيس دولة عربية من قبل، فمن الطبيعي إذن، أن يكون حديثاً صادماً للمشايخ ،الذين ساروا على ما وجدوا عليه آباءهم..! من الطبيعي أن يُرعِب تجّار الدين، الذين يستغلون عن عمد، سذاجة العامة في أخذ الدين منهم، من مشايخ الإسلام السياسي، بالحوالة عن كتب التراث، لا من القرآن والسنة النبوية..! ولن تجد العذر لساذجٍ، لأن عدم معرفة الجّاني بالقانون،لا تلغي العقوبة عليه، والقرآن يقول:(وقالوا لو كُنا نسمعُ أو نعقِل، ما كنّا في أصحابِ السّعير، فاعترفوا بذنبهم، فسحقاً لأصحاب السعير).. إن اشكالية الخطاب الديني، تتلخص فى مضمونه المفارق لجوهر النص ولثقافة العصر، وفي إستحواذ طبقة «العلماء» على المنابر. وهناك ضرورة قصوى لتصحيح المفاهيم والإنعتاق من أسر كتب التراث التي ينزلها البعض بمنزلة القداسة، في حين أنها كتب تحتوي فتاوى لها سياقها التاريخي، و بها آراء لأشخاص، يخطئون ويصيبون. فالمقدس هو النص القرآني، أما آراء المفسرين فهي غير مقدسة، وكل يُؤخذ منه، ويُرد عليه،إلا الرسول الكريم ،صلى الله عليه وسلم. لن يتحقق الإصلاح إلا بخروج المشايخ من تلك القفاطين السلفية، لِجلوةٍ تحت أضواء وبيارق العصر..! ولا صلاح للبشرية، إلا بفكر جديد، يأخذ بجواهر المعاني الدينية، ويغتسل من وصفات أبن تيمية وغيره، من فقهاء الماضي.. إن ثمرة الثورة هي هذه المحاججة في وجه هؤلاء، الذين يعلمون تماماً، بأن سمعة المسلمين قد وقعت في الحضيض، بما يحدث من عنف بإسم عقيدتهم..!