في إطار التحدي الذي خلقه الصادق المهدي في وجه النخبة السودانية ودولتها التي أقامها السير « مكمايكل » على عجل ثم آلت ملكيتها للأفندية الذين حافظوا عليها بشكلها الموروث دون أن يضيفوا إليها شولة، كان الكاريكتيرست الراحل « عزالدين » قد نشر كاريكاتيراً استلهم فكرته من أغنية الراحل النعام آدم «ما دام طار جنى الوزين.. يا دوب قلّ نوم العين»، وذلك حينما خرج الصادق المهدي متخفياً عن عيون «الإنقاذ» وبصورة محكمة قال عنها الرجل «إنهم خرجوا فلم يرهم أحد ولم يسمع بهم أحد، بل واصطادوا غزالاً وشووه ولم يشتم رائحته أحد» على طريقة ميل الصادق للنكتة في أحلك الظروف. وقد علمت من جيل الستينيات والذين يمثلهم جاري على اليمين الأستاذ « الغبشاوي » المدقق العام للصحيفة ، أن الكاريكتير مكرر، وقد سبق للراحل عزالدين أن قام بنشره حينما عاد الصادق من أكسفورد في النصف الأول من الستينيات متسلحاً بالمعارف الغربية إلى جانب الإرث الأسري ولم تعد هناك موانع تحول بينه وبين رئاسة حزب أسلافه الذين يحمل اسمهم وملامحهم وفوق هذا وذاك يتدفأ نارهم التي أشعلوها ولم يخمد أوارها حتى الآن، حينها دخلت مجموعة الأفندية التي تعمل في دائرة المهدي في حرج مبالغ فيه، وحدث شد وجذب في رئاسة الحزب وزعامة الطائفة وبذل من الكلام صالحه وطالحه، لكن سير الأحداث المفضي إلى ثورة الجماهير في شهر أكتوبر من منتصف ذلك العقد الستيني قد وفرت للصادق الأرضية التي دخل بها المجال السياسي بكسبه الذاتي كسياسي محنك لعب دوراً مهماً في الثورة، حتى إذا لم نجاره في نسبة معظم الأدوار المهمة في الثورة لشخصه وكيانه. منذ ذلك الحين جعل الصادق دائرة أجداده في السياسة كما في الحسابات تستغني عن خدمات الأفندية بحكم أنه قد جسر المسافة بين الطابع التقليدي للمؤسسة التي يحوز أعلى مراتبها بالدم وبين المعاصرة التي روضها باكتساب الدرجة العالية الرفيعة في العلوم الحديثة . وما بين التحديات التي مثلها الصادق للآخرين، وتلك التي وجد نفسه في مجابهتها تربع الرجل بلا منافس على رأس كيان أدخله أسلافه في شبه مأزق حينما لم يمتثلوا لنصيحة والدهم السيد عبد الرحمن بأن «الأنصار سيف عز، هز به لكن ما تضرب به». وما بين أحداث المولد والجزيرة أبا والحدود الأريترية ضرب الإخوان بالسيف الذي يصلح لطوابير الشرف أكثر من صلاحيته للقتال، والتي اختبرت في سفوح كرري بعدأن سجلت عليه العسكرية الحديثة بعتادها وتخطيطها العلمي وقلم استخباراتها الذي تخرج ضباطه من أرقى الأكاديميات الغربية، وكانت الهزيمة واقعة لا محالة حتى وإن هاجم الأنصار بالليل أو النهار، فالفرق كان أكبر من أن تردمه جسارتهم وقدرتهم على اقتحام الأهوال، إنه ببساطة فرق حضاري تجلى في التفوق العسكري، كما تجلى في فنون الإدارة الحديثة. ونواصل إن شاء الله