انتهز كثير من العرب والمسلمين، حادثة إحراق داعش للطيار الأردني، للتعبير عن مشاعرهم الإنسانية التي تأذت من هول المشهد.. وأكد بعضهم من باب الشفقة على مستقبل الإسلام أن الشريعة براء ممّا يفعل داعش.. والحقيقة التي لا جدال فيها، أن فتاوى داعش، لم تهبط على المنطقة من كوكب آخر، وإنما هي تجسيد لإيمان الغالبية العظمى، بما هو مُدوّن في كتب التراث الإسلامي.. إنّ داعش لم يفعل أكثر من إخراج تلك النصوص وتطبيقها، تجسيداً لذلك الحُلْم الذي تتطلع إليه الغالبية العظمى في بلاد المسلمين. والدليل على ذلك، أن الجماهير الإسلامية، من شيعة أو سنّة، لم تخرج يوم الجمعة الماضية للتنديد بالحادثة، ما يعني أنّها وقعت في سياق المأمول تطبيقه، لا في دولة العراق والشام وحدها، بل في كل أرجاء العالم الإسلامي، على أقل تقدير ومع ذلك، جنحت بعض الأصوات إلى دحض نسبة الدّواعش للشريعة، مشيرين إلى أن لديهم نسخة أخرى من الشريعة، بيد أنهم لم يُظهِروها.. في حين أنّ داعش، يُنفِّذ أحكامه مستنداً على الفتاوى المنقولة من بطون الكتب التي يعتنقها هؤلاء وأولئك..! وقد كان حرق الطيّار الكساسبة حيّاً، هو أول عمل مباشر، يقوم به داعش ضد النظام العربي الحالي، وشاءت الأقدار أن تضع المملكة الأردنية الهاشمية في واجهة الحدث، عندما احتسب داعش نفسه ممثلاً ل «دار الإيمان»، وجعل من عترة الهاشميين «داراً للكفر»، على الرغم ممّا يحمله العرش الهاشمي من رمزية عميقة المعاني لدى كافة طوائف المسلمين..! ومع ذلك، فقد عبّر الكثير من أهل العروبة والإسلام عن أسفهم العميق، من رؤيتهم لتلك الفظاعة، لأنّهم يا حرام ضدّ تصوير مثل تلك المشاهد البشعة، التي تؤذي المشاعر الإنسانية الرقيقة..! ولم تمضِ أيّام، بل سويعات، حتى انشغلت بلداننا العربية والإسلامية بحرائق أخرى، بينما تؤكد المملكة الأُردنية الهاشمية طلبها للثأر عبر القصف الجوي المكثّف على داعش. وكذلك تفعل الدولة المصرية لتطهير سيناء من الإرهابيين.. والحقيقة التي لا جدال فيها هي أن ما يحدث في كلّ المناحي التي تدعشنت، هو مواجهة عسكرية لا فكرية بين الجيش الرسمي والجماعات السلفية.. هذا هو المُتاح أمام دولة مثل الأردن، أو مصر، أو أية دولة أخرى في المنطقة.. إنّهم جميعاً لا يستطيعون مناقشة أصل القضية، ولا دمغ «التراث» الذي ينتسبون إليه، ذلك التراث الذي يتكفّل داعش بتطبيقه، والذي يحرسه الأزهر الشريف، وتعضده الفتاوى المُنشأة داخل القصور..! إنّ للمملكة الهاشمية حقها في الثأر لطيّارها الباسل، عبر القصف الجوي المكثف على حوزات داعش، وللدولة المصرية حقّها في تحرير سيناء من الإرهابيين.. أما دون ذلك، فهو خطوط حمراء، وقواسم مشتركة بين داعش والنظام العربي الحالي..! ولمن منكم أن يستقيم، فعليه السؤال والاستقصاء، حول منابع الدّعشنة.. من رعاها ومن موّلها التمويل المعروف ومن «يواليها» الآن بالعافية والمعافاة في الدين والدنيا والآخرة..؟! ودون ذلك أيضاً، هناك كسب جماعات الاستنارة بالمنطقة التي تتطلّع إلى دور غربي فعّال لمكافحة الدّعشنة، لأنّهم يا حرام جماعات هامشية ليس لها خطر أو خاطر عند شعوبهم، ولا عند حكوماتهم، ولا هم قادرون على تقديم البديل، لهذا الهوس الديني.. الأمر ببساطة هو أن الدّعشنة ملأت فراغنا العريض، ولسوف تبقى فينا ردحاً من الزّمان، لأنها تتسقىّ من كنوزنا ومن جذورنا.. فاحتفظوا إذاً بدموعكم الغالية، لأن الكساسبة له الرحمة، لم يحترق إلا بمدوّنات تراثكم العتيق!