الخبر مثير للاهتمام.. وقد يستفز البعض.. تابعته للنهاية فأخرجني من صمتي لأكتب مع أن فحوى الخبر كان معلوماً لي بتفاصيله، لا جديد.. طريقة عرض الخبر صحافياً هي التي أتت بالجديد.. والجدير بالذكرفعلاً، أنه شأن عالمي مبرور تشهده الخرطوم صباح اليوم- حضرت أمريكا أم فاتها الشرف.. فالأمر مشرف تماماً. غالباً هي حاضرة، فلقد شهدت وفداً امريكياً زار البلاد قبل نحو عشرة أعوام في نفس المهمة وهنالك فيلم وثائقي يحكي التفاصيل المشوقة وسأتناول طرفاً منها هنا من قبيل الشيء بالشيء يذكر.. ثم أنها أمريكا ترتاح لشيء سوداني.. نعرف أن أمريكا برغم حروبها المعلنة وغير المعلنة لا يقلقها شيء مثل التضخم.. الاسم الاستثماري للربا.. إن التقارير الاقتصادية الدولية اعترفت أن الكارثة الاقتصادية الأخيرة التي ضربت الغرب كانت تستدعي نظاماً اقتصادياً جديداً يطهر العالم كله من شبهات الأموال السهلة- أو مال تتدفق بلا عرق يباركها، بلا قيم تطهرها. أمريكا تبحث عن مخرج اقتصادي على قاعدة من القيم الإنسانية.. هل اهتدت واحدة من الدراسات المنقذة للبشرية التي يعكف عليها علماؤها بعد أن فقدت توازنها بالشرق الأوسط..أنهم يسمونها دراسات تحسين الصورة. أياً كان.. الخبرالمنشور يشير الى أن (واشنطون تشارك في مؤتمر دولي للزكاة بالخرطوم.. وصحيفة) السوداني) تجعله الخبر الرئيس الثاني على الصفحة الأولى فنقرأه كالآتي (وزيرة الرعاية: واشنطون تشارك في مؤتمر دولي للزكاة بالخرطوم)- السبت 28 فبراير.. وهذا ما أثار الانتباه نحو مؤتمر هو في حقيقته حدث عالمي يستضيفه السودان بتواضع أهله الكرماء.. المؤتمر الدولي لتقويم وتطوير مسيرة الزكاة في السودان يخاطبه رئيس الجمهورية مفتتحاً لأعماله، ووزيرة الرعاية والضمان الاجتماعي، وكلمة الختام للسيد النائب الأول لرئيس الجمهورية في نهاية يومه الثاني.. في مؤتمر صحفي شرحت الوزيرة التفاصيل وأنار الأمين العام لديوان الزكاة مشاعل عديدة تكشف الكثير، مما سك عنه لسان العاملين عليها من باب التقرب لله بينما انجازهم السنوي للعام 2014 فاق حد التصور وأرقام الخطة الموضوعة (بزيادة 120 %).. كما علمت مصادفة، بورك فيهم- خير عميم في جهة المال المزكى جدير بأن يلفت النظر ويقابل بالحمد لله والشكر. ثراء بلادنا ملفت للنظر، وقد يحير أيضاً حينما يحظى بحسن العرض كما فعلت الصحيفة، وكما شاهدت في الفيلم الذي أشرت اليه.. الفيلم يحكى بالصورة الجذابة التي هي (ولا ألف خبر) عن زيارة عدد من الوفود الأجنبية للسودان بدافع التعرف على تجاربه في مجال الزكاة ومكافحة الفقر، منها ذلك الوفد الأمريكى المثير للجدل، ونذكر صدى زيارته في صحف الخرطوم.. هذا الفيلم من انتاج السينارست البارع الدكتور النور الكارس، وكان يعرض جملة من الحقائق والأرقام والصور أمام وفد زائر من (الإيقاد) التي نعرف. .. البعض منهم كان مندهشاً لكون ميزانية الإنفاق الطوعي بالسودان هكذا تضاهي ميزانية الدولة بحالها.. إن ما أحدثته تجربة الزكاة في بلاد السودان أصبح محل اهتمام دولة كبرى أرسلت مندوبين عنها للوقوف على التجربة.. وهذا ما ورد على لسانهم ضمن السياق الروائي لهذا الفيلم الوثائقي ووفق تصريحات الوزيرة المختصة في مؤتمر إذاعي وتناقلته الصحف.. أمريكا بين ظهرانينا اليوم أمر عادي ومرحب به ولعله يزيد خطوات التقارب بين الدولتين ألقاً.. لماذا لا؟!..السياسة لا تفعل كل شيء وحدها. ومازالت الوفود الزائرة المثيرة للجدل تترى بدليل أن عرض الفيلم كان بمناسبة زيارة وفد آخر هو وفد منظمة (إيقاد) كما قلت.. إيقاد جاءت للسودان هذه المرة بشأن اختصاصها الأساسي، مكافحة الفقر والتصحر. أرادت أن تأخذ بتجربة ناجحة في مجالها.. وفدها ضم خبيراً عالمياً في الاقتصاد.. كان مهتماً بالأرقام.. علق على النسبة الكلية لأموال الزكاة منسوبة للميزانية العامة للدولة وأظهر انبهاره بالرقم الذي ورد في الفيلم ليتساءل متعجباً: ماذا لو تحسنت الأوضاع ولم تجدوا من يطلب الزكاة؟!. السؤال مطروح بمبررات طموحة الآن..الإجابة على لسان مسؤولي ديوان الزكاة نوهت لأمثلة واقعية ترد عليه، منها المشاريع الانتاجية التي وقفت على ساقيها وبدأت الأسرة المنتجة تحسب أرباحها بنية دفع زكاتها.. الأمثلة أعادت للأذهان ما كان قد حدث على عهد الخلافة الراشدة- من كانوا يستحقون الزكاة تحولوا الى منتجين يدفعون الزكاة. الإعلام اخترق المجهول وارتاد كل الآفاق في عصر الاتصال وتدفق المعلومات واندياح الشفافية.. لكنه لا يسعفه الحال هنا.. إعلام جذاب لاقت مبرور.. من المسؤول؟.. ليس هذا مجال الرد الشافي، فضمن توالي الوفود اللافتة للنظر، ولربما المثيرة للدهشة والجدل أيضاً، زيارة سابقة للشيخ صالح الكامل أعلن بنفسه عن نتائجها عبر وسائط إعلامه العالمية واسعة الانتشار- شبكة راديو وتلفزيون العرب.. كان مما أعلنه صراحة أنه جاء السودان لطلب العون لتأسيس آلية عالمية اسمها (الهيئة العالمية للزكاة) بالتعاون مع عدة دول.. لعل المؤتمر العالمي الذي يحل ضيفاً اليوم على محراب تعظيم شعيرة الزكاة يبادر فيدعم بلا حدود هذه التجربة التي استدعت تناديه بين رحابها فتشيع إعلاماً وبراً وتراحم وخيراً عميماً يعزز نوازع إنسانية العالم ببلسم (التقوي) الذي لا يغادر ضيماً ولا ظلماً في وقت ضاقت فيه الأنفس ببعضها، أو كادت. التحية للمؤتمر ومنظميه والله المستعان.