الإفطار والعودة للكتابة ليس معناه زوال المسببات ولكن إصرار القراء الذين ظلوا يحاصرونني ويلومونني بالتقصير فكان لابد من الانصياع لرغباتهم. وكما كان لابد للبداية أن تكون حول من غابوا عن هذه الدينا الفانية في هدوء ودون ضوضاء ولا ضجة رغم أنهم ملأوا الحياة ثراء متنوعاً من الجهد والأعمال، والإنجازات ذات القيم السماوية والدنيوية وغرسوا في نفوس المجتمع فضائل وشمائل تواضع جسم وطيبة معشر، بل وهبوا طاقاتهم الذهنية ولياقتهم البدنية في خدمة الكل وفي مجالات شتى،، من بين أولئك الراحلين البررة الشيخ مولانا (أحمد عبدالله الصفراوي) ابن قرية الصفر تلك البقعة الواقعة على ضفاف النيل بمحلية شندي، بولاية نهر النيل.. ولكنه أيضاً ابن الدلنج البار، ابن ولاية جنوب كردفان الذي نثر الورد والياسمين في أرجائها عبقاً دعوياً وثقافياً، فلقد قضى الشيخ الراحل عنفوان شبابه بالدلنج منذ أواسط القرن الماضي، جاءها شاباً يحفظ القرآن الكريم بروايات متعددة من خلاوي أم ضواً بان قصد مدينة العلم والنور وآلى على نفسه أن يشارك الشيخ الراحل محمد الأمين القرشي في برنامجه الدعوي الإسلامي في جبال الدلنج الغربية، فكن له ما أراد وحينها كان مقرباً من الشيخ الراحل مولانا (الكبيدة) أمام المسجد العتيق. وبعدها أنشأ الصفراوي مكتبة الجبال الثقافية كلؤلؤة وسط الجيال تنير العقول، واعتبرت في ذلك الوقت أكبر مكتبة خارج العاصمة بشهادة مكتبة دار القلم وشاركت هذه المكتبة في رسالتها التربوية والتعبوية معهد إعداد المعلمين، حيث جمعت بين ثناياها الغالي والنفيس من الكتب وأمهاتها والمراجع في شتى ضروب المعرفة، بل وكانت المكتبة توفر كافة الصحف والمجلات المحلية والأجنبية وأصبحت إحدى معالم مدينة الدلنج وسمحت بمستوى يدعو للفخار مما دعى محافظ جنوب كردفان آنذاك الراحل محمود حسيب عندما تم إنشاء المحافظة بكادقلي أن يطلب منه متودداً بضرورة إنشاء مكتبة بكادقلي بمستوى مكتبة الجبال بالدلنج.. استجاب الراحل الصفراوي لطلب المحافظ وأنشأ مكتبة جنوب كردفان بكادقلي.. ظل الراحل المقيم لصيقاً بالخلاوي والمساجد والطرق الصوفية ورسولاً لمدينة الدلنج في شتى بقاع السودان. كان مرجعية دعوية للقوات النظامية بحامية الدلنج، وعند مطلع الإنقاذ وإنشاء قوات الدفاع الشعبي استضاف منزله أول وفد من قيادة الدفاع الشعبي الاتحادية وهو يزور جنوب كردفان. وحينها أتذكر بأني تعرفت على الشهيد المصور (مبارك القنالي). قد لا يعلم الكثيرون ولاسيما من أهل جنوب كردفان خاصة أن اختيار الراحل المجذوب يوسف بابكر والياً لجنوب كردفان من رؤيه الشيخ الراحل الصفراوي، وتم ذلك من خلال سلسلة من المكاتبات بينه والنائب الأول الأسبق الأستاذ علي عثمان محمد طه ووزير ديوان الحكم الاتحادي آنذاك مولانا أحمد إبراهيم الطاهر.. عينه المجذوب مديراً لإدارة الخلاوي والطرق الصوفية بالولاية، واستطاع من خلال علاقاته بالمركز والخيرين إنشاء عدد من الخلاوي ودعم عدد من القائمة وحاول التوغل داخل مناطق نفوذ الحركة الشعبية جنوب كادوقلي إلا أن المرض غدر به وأرقده على سريره، ورغم ذلك المرض العضال إلا أنه كان لا يعترف به وقام بإنشاء دار الصفراوي للنشر والتوزيع لولايات كردفان الكبرى ومقرها الأبيض. كان الراحل عضواً بالمجلس الأعلى للذكر والذاكرين بإدارة الطرق الصوفية، وكانت له علاقات واسعة مع شيوخ الخلاوي في كردفان والجزيرة وولاية الخرطوم.. قدم الراحل مساعدات لأبناء جنوب كردفان عبر الوساطة بالقبول في الجامعات والمنح الخارجية، والتوسط للعمل في المؤسسات الحكومية والشركات والمنظمات. أكرمه المولى عز وجل أن يقضي بقية حياته بقرية أم ضواً بان حيث حفظ القرآن الكريم بعد أن صاهر أسرة الخليفة الشيخ ود بدر.. توفي الصفراوي ودفن في أم ضواً بان.. ولكن تبقى سيرته العطرة بين أطراف الألسن، وما كتبته لا يمثل سوى شذرات وغيض من فيض، ومن المؤسف حقاً ألا تتذكر حكومة جنوب كردفان ولا معتمد محلية الدلنج الراحل الصفراوي وتقوم بنعيه عبر الصحف.. إن هذه الكلمات المقصرة في مسيرته أرجو أن تكون دافعاً لكل أبناء الدلنج لتبني تأبينه بالدلنج والأبيض وأم ضواً بان، وبطرفي برنامج شامل لهذا التأبين.