بعد فشل المعارضة السياسية والمسلحة في أحداث التغيير في البلاد وعدم نجاح المنابر التي عقدتها وشاركت فيها في أحدث الحراك المطلوب لبعث حملة شعبية تهز أركان النظام وتركيز حزب المؤتمر الوطني وأجهزة الإعلام على الانتخابات المقبلة، اتجهت الأنظار المحلية والدولية نحو دارفور وتحديداً منطقة مستريحة التي يتخذها الشيخ موسى هلال رئيس مجلس الصحوة الثوري الذي كان على خلاف مع الحكومة مقراً لإقامته، فقد راهنت جهات عدة داخلية وخارجية على هلال في شل الأوضاع بالإقليم والدخول في مواجهة مع السلطات التي عمل معها في أوقات عصيبة وكان من أركانها في مواجهة المتمردين والمتفلتين الكثيرين ربما حكموا على الانتخابات بالفشل بدارفور بعد أن أعلن مجلس الصحوة في بيان أصدره من مليط بشمال دارفور خلال زيارة لرئيس المجلس إلى المدينة بأنه سيقاطع العملية الانتخابية إذا لم تفِ الحكومة بتعهداتها التي قطعتها خلال لقاء وسطائها ومبعوثيها بالشيخ هلال، كما أن المجلس أعلن أنه غير معني بتأمين صنادق الاقتراع وحدد العاشر من الشهر الحالي لتحدد موقف حاسم من حكومة البلاد وحزبها الحاكم، ولكن بحسب القيادي بالصحوة هارون مديخير فإن مجلس الصحوة الثوري قرأ الساحة وعرف أن هناك أطرافاً معارضة تدفع للمواجهة مع الحكومة لتشمت فيما بعد في الطرفين، مردفاً أن هذه القراءة قادت لاتخاذ قرارات عقلانية بعدم الدخول في حرب حفاظاً على السودان ووحدته ومنعاً لمخطط التقسيم الذي يسعى إليه من أسماهم أبناء السودان العملاء بالخارج.. موسى هلال الذي يرى أنه أبلى بلاءً حسناً خلال سني الحرب وواجه جراء مجاهداته حملات واتهامات متكررة، بات غير راضٍ عن سياسات حزبه، إذ أنه وبخلاف الاخفاقات التي لازمت أداء والي شمال دارفور كبر الذي طالب بإقالته بعد أن اتهمه بالوقوف وراء نزاعات قبلية وقضية سوق المواسير الشهيرة، لم يكن راضياً عن وضعه كمستشار في ديوان الحكم الاتحادي، إضافة إلى أنه أصبح يطالب بإشراك أهله وكوادر مجلسه في السلطة للمشاركة في القرار حتى لا يكون منسوبوه مجرد مسلحين يحصر عملهم في الميدان العسكري فقط، وهي مطالب وملاحظات دفع بها في لقائه مع رئيس الجمهورية المشير البشير في أم جرس التشادية وكررها في اجتماعه مع مساعد الرئيس البروف إبراهيم غندور بالجنينة، ليكون تأخير الإنفاذ السبب الرئيس في التصعيد الذي حدث وتراجع حالياً بفعل الوساطة التي تقودها شخصيات قومية بين الطرفين وللتصريحات الإيجابية لمجلس الصحوة التي أعلن فيها مؤخراً أنه بدأ في تهيئة المواطنين للانتخابات. متابعات الأحداث لا تشير إلى مخالفة كبرى ارتكبها الشيخ موسى هلال بحق المؤتمر الوطني أو الدولة حتى تتخذ كذريعة لإبعاده عن دائرة اتخاذ القرار أو منحه وكوادره تمثيلاً أكبر في المؤسسات أسوة بما يتم لأبناء السودان عامة أو المتمردين الذين حملوا السلاح في وجه الحكومة ووقعوا معها اتفاقيات. وفي المقابل فإن رئيس مجلس الصحوة شرع في إجراء مصالحات قبلية في جميع ولايات الإقليم بدأها بقبيلتي الرزيقات والبني حسين وتسوية ملف جبل عامر، هذا بجانب نشاطه على الأرض الذي ضمن به للمؤتمر الوطني، وطيلة الأعوام الماضية كسباً سياسياً وأمنياً لا تنكره السلطة القائمة ويصعب عليها ربما التخلي عنه وإبعاده لأسباب أو دواعٍ لا تتسم بالخطورة، وهو الأمر الذي يفسر زيارة قائد قوات حرس الحدود للرجل لتسوية الملف بعد أن فشل السياسيون في نزع فتيل الأزمة. خروج الشيخ موسى هلال عن الحكومة والمؤتمر الوطني كان سيرسم صورة سيئة عن تعامل النظام مع من ساهموا في بنائه وحمايته وسيجعل من بقوا في جسمه يتحسسون مواقعهم والخوف على مستقبلهم كما أنه كان سيكشف ظهر الحزب الحاكم في دارفور نتيجة للأنشطة الواسعة والمختلفة التي كان يقوم بها رئيس مجلس الصحوة، هذا بالإضافة إلى أنه سيقوي المعارضة المدنية والمسلحة، الأمر الذي يعني أن جهود المصالحة ورأب الصدع الحالية كشفت للسلطات الجهات التي ترغب في إخراج هلال وأكدت تمسك نظام الإنقاذ بمخلصيه، كما قوى وضع الوطني السياسي في دارفور، لتبقى هذه المكاسب والخسائر رهينة بإنجاز ونجاح الوساطة.