عدد من الأطباء البريطانيين من أصل سوداني انضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية بأرض العراق والشام (داعش)، الخبر تصدر صحافة الخرطوم على مدار يومين في بلد تدور فيها حرب أهلية على أكثر من جبهة، وشغل النزاع فيها بين الحكومة والمعارضة كل عواصم العالم، فانطلقت الوساطات والنداءات الدولية بشأنه من الأطلنطي إلى الهندي، عليه إذا انتزع خبر من خارج هذه الدائرة مساحة من الورق، فلابد أنه على ذات الدرجة من الأهمية كما هو الحال مع انضام هؤلاء الأطباء إلى داعش، مجتمع الخرطوم الذي لا يتعاش طويلاً مع الأسرار راح ينبش التفاصيل، ومنها أن أحد المهاجرين للعمل في مستشفيات الموصل على الطريقة التي استفاد بها (داعش) من القادمين إليه من أرض النيلين، تستعد بعض الجهات لتقديمه كأصغر جراح سوداني.. لكن يبقى السؤال كيف استقبل السودانيون الخبر؟!.. لا شك كان له وقع الصاعقة على المهاجرين الذين اختاروا أن يبنوا جنة هناهم بعيداً عن مآلات التطور الوطني مثلهم في ذلك مثل كل باقي الطبقة الوسطى المدنية في العالم العربي والإسلامي، والتي اكتشفت مؤخراً أن المستفيد الأول والأخير من تأهيلها الأكاديمي الذي مكنها من المنافسة على أرقى المهن في أوربا وهجرتها الطويلة عن أرض الأهل والأحباب، هو تنظيم الدولة الإسلامية بأرض العراق والشام (داعش)، نسبة لتزايد الأعداد الملتحقة بالتنظيم من أبناء تلك الطبقة في المهاجر المختلفة (خموا وصروا). الأثرياء في العالم خاصة من الدول الكبرى اعتقدوا عن خطأ أنهم بامكانهم أن يحرسوا جنة هناهم الأرضية في محيط من الفقر والإملاق، وذلك باستمالة أنظمة تحتاج حتى تبقى على دست الحكم إلى اجتهاد ديني يحرم الخلاف معها، بعد أن ربطت نفسها بالإسلام بأشكال مختلفة، فساد منهج تفكير يحرم الاختلاف مع الاجتهاد السائد، والذي صرفت عليه أموال النفط بسخاء، لكن تلك الأنظمة وبحكم أنها تعيش في العصر الحديث بتشابكاته وتقاطعاته المختلفة، ما كان يمكن لها أن تعيش في الثنائيات الصلبة من على شاكلة كافر ومسلم، ودار سلام ودار حرب، مما أضطرها لتقديم تنازلات على مستوى التعامل، وضعت الجماعات المدافعة عنها في مرمى سهام النقد السلفي من قبل الشباب الذين تربوا على ذات النهج، فأنكروا عليها مولاة الكافر والذي وحين طفح الكيل خرجوا عليها لأنها تحول بينهم وبين قتال الذين أخرجوهم من ديارهم بغير حق سوى أنهم قالوا ربنا الله.. أخذ هؤلاء الشباب الذين أراد لهم ذويهم أن يتخرجوا في أرقى التخصصات ويعملوا في أوربا يتأملون بلاد المسلمين تجوس فيها جيوش الكفر، والقرآن يسألهم.. «وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا».. أما أن يتغير الاجتهاد الديني السائد لصالح التعدد المذهبي والقيمي أو على جماعات الإسلام السلفي أن تفسح المجال لداعش لأنها (بتجيب من الآخر). والله من روراء القصد.