٭قمة شرم الشيخ العربية.. جاءت في وقتها .. وقتها الراتب بموجب جدولة الجامعة العربية للدورة السادسة والعشرين .. لكن المصادفات السياسية والشواغل والتطورات الدرماتيكية التي تشهدها المنطقة جعلتها «قمة استثنائية».. لدرجة غير مسبوقة من حيث حجم الحضور ومستوى التمثيل. ٭انعقدت القمة.. وهي الممثل الرسمي.. والحامل للمشروع والنظام العربي.. لتجد نفسها في مواجهة أربعة مشاريع تصطرع في وحول المنطقة هي: المشروع الإيراني «الفارسي الصفوي».. المشروع التركي «العثماني»..المشروع الصهيوني- الاستعماري الغربي المهيمن.. والمشروع الاقليمي القومي الكردي المتطلع لبلورة ذاته مستقلاً عن المشروع العربي. ٭هذه المشروعات الأربعة تصارع وتقاتل إما لتثبيت وجود وبسط هيمنة، أو لتحقيق حلم قوي مستقل كما في حالة الأكراد.. لكن أخطر تلك الصراعات اتخذت شكل التدخلات الحربية والقتال المباشر لفرض إرادة الطرف الخارجي الذي تمثله.. المشروع الصهيوني الاستعماري عن طريق الاحتلال وتجنيد الجماعات الإرهابية وزرع الفتن الطائفية والفوضى الخلاقة.. والمشروع الإيراني- الصفوي عن طريق التدخل المباشر في كل من العراق وسوريا ولبنان والبحرين وأخيراً بدعم وتسليح وتدريب الحوثييين « الشيعة الزيدية» في اليمن لتطويق السعودية والخليج، والسيطرة على الممرات المائية في بحر العرب وباب المندب حيث تمر 37% من التجارة الدولية وأكثر المنافذ حيوية للنفط العربي. ٭ بلغ هذا المشروع الإيراني درجة من الخطورة والتنفيذ العملي مما جعل السعودية ودول الخليج ومصر والسودان تأخذ المبادرة العسكرية لوقفه عبر الحرب الجوية والبحرية، وحتى البرية إذا ما استدعى الحال، فشنت «عاصفة الحزم» في اللحظة التي كاد فيها الحوثيون وحليفهم الجديد علي صالح أن يلتهموا عدن- العاصمة المؤقتة- بعد أن استولوا على صنعاء والعديد من المدن والاقاليم اليمنية.. فلم يكن في الوقت متسع لصبر أو انتظار.. لتشكيل القوة العسكرية العربية المشتركة التي اقترحتها مصر ورئيسها السيسي قبل أسابيع من عملية «الحزم». ٭القمة أقرت تشكيل القوة العسكرية العربية المشتركة.. بمن يختار الانضمام اليها..إيقاظاً «لاتفاقية الدفاع العربي المشترك» التي ظلت نائمة على مدى 65 عاماً من عمر الجامعة السبعيني.. وتفعيلاً ل «مجلس الأمن والسلم العربي « الذي ظل حبراً على ورق هو الآخر العقد من الزمان.. أقرت القمة تشكيل القوة تحت عنوان عريض وهدف عام هو «مواجهة المخاطر والتحديات التي تواجه الأمة وهويتها ومصالحها».. وأحالت الأمر للمختصيين من العسكريين والخبراء الاستراتيجيين لوضع التفاصيل.. ولا بأس من أن نكرر القول القديم: « الشيطان يكمن في التفاصيل». ٭التفاصيل تزدحم باسئلة مهمة سيكون على المكلفين بصياغة وتأسيس تلك القوة المقترحة الإجابة عليها.. اسئلة جوهرية بدون الإجابة عليها سيصبح قرار القمة بلا معنى وفعالية.. منها على سبيل المثال لا الحصر: ما هي المرجعية الرئيسية في اتخاذ القرارات المتعلقة بحركة أو تحريك هذه القوة؟.. مِمّن تتشكل قيادة هذه القوة عملياً؟.. أين ستتمركز الوحدات التابعة لها في بلد واحد أو معسكر واحد أو في عدة بلدان مختارة حسب توقعات التهديد والخطر؟.. من أين يأتي التمويل والموازنة؟.. ما هو الهيكل التنظيمي لهذه القوة.. جواً وبراً وبحراً.. وما هو حجمه وعديده؟.. كيف يتم تعريف المخاطر والتحديات التي يتقرر بموجبها التدخل السريع أو التحوطي لهذه القوة؟.. هل يتم التعريف من قبل الدول الأعضاء في القوة لوحدها ، أم يستلزم موافقة الجامعة العربية وآليات اتخاذ القرار فيها التي تعاني من البطء ، أن لم يكن الإعاقة؟ .. وهل سيساعد مشروع إصلاح الجامعة وتجديد ميثاقها المطروح في مساعدة هذه القوة ويجعلها أكثر فاعلية؟!... أسئلة وأسئلة بلا نهاية؟!. ٭لكن السؤال الأهم والأخطر في نظري يتفرع عن ذات العنوان العريض والهدف العام الذي تقرر بموجبه إنشاء تلك القوة.. فهل ستعمل هذه القوة بمنطق «القوة الأمنية» بمعزل عن كل موجبات الأمن القومي العربي بمعناه الشامل المتمثل في العمل المشترك في جميع مناحي الحياة العربية، الاقتصادية .. زراعية وصناعية ..الثقافية والعلمية والتربوية والسياحية.. والحركة الحرة للمواطنين العرب وفتح الحدود وتعظيم التواصل والتنمية والعدالة الاجتماعية والتقدم باتجاه تحرير الإنسان العربي من القهر والمظالم المنتجة للتوترات والإرهاب. ٭نعم القوة العربية المشتركة مطلوبة لمواجهة الارهاب والتطرف والمشروعات العدوانية..لكن فاعليتها ومصداقيتها تنبعان من استجابتها لاستحقاقات العمل القومي المشترك من أجل تنمية ورفعة ورفاهية وحرية الإنسان العربي .. فذلك هو الطريق الآمن لاجتثاث جذور التوترات والنزاعات والارهاب.