وقامت الانتخابات.. شارك من شارك وأبى من أبى، اللهم اجعله خيراً.. العبرة بالنتائج لكن حسناً أن السودان تنادى أهله للاصطفاف لشيء آخر بنية غلابة.. بينما المنازعات تترى على غيرنا، لا تستثني أحداً.. بل تتمادى وسط عجز خيال المخططين فتفعل ما فعلت ليفهم البشر أن وراء الأفق أقداراً تفوق تصور الإنسان واضع الخطط هذه التي ظنها البعض شجرة منتهى.. لا.. شجرة المنتهى علمها عند الله وسرها كامن في إلهامه جل وعلا ملهم الفطرة السليمة وطرق التفكير المنجية.. فهلا أدركتنا الحوارات والمفاوضات والانتخابات والجامعات بما يعين على التفكير والاستدراك والنجاة من جور الزمان ومتغيراته؟. كنت مشغولاً بهاجس «طرق جديدة للتفكير» حين بلغتني هدية من قبيل ما يعين على التبصر في الوقت الصحيح، تلقيتها وأنا على نية سفر فوجدت فيها نعم الزاد.. كأنما تطورات الأحداث في العالم حولنا هي ما خطر لقائد إستراتيجي «معنوي» صفة «الوقار» تتقدم سجله الرسمي الحافل بأعز الأوصاف والشمائل.. فديدنه العطاء والوفاء«حتى لو أدى ذلك للمجاذفة بحياته».. هو مقاتل، غير كونه باحث وداعية إعلامي وخبيراً إستراتيجياً في مجال التنوير والبناء المعنوي للنسان السوداني.. أطروحة متميزة أهداها( «إلى المتطلعين إلى قيم الحق، العدل، الإحسان» وكانطباع أول تصورت أن الارتقاء بمعنويات الإنسان في السودان هي الآن شأن إستراتيجي تبذل له المهج وفضيلة الأولويات، فقلت ليت ذلك يكون هماً للدولة بأكملها. بداية يبصرنا في شأن أسرار القدرات الإلهامية التي أودعها الله عز وجل في الإنسان ونحتاجها كأكسير ناجع بعد أن جربنا كل أصناف التداوي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.. جربت البلاد كل أصناف الأيدلوجيات الوضعية.. فهل أجدت؟.. كأنما الدعوة التي نحن بصددها الآن هي البحث عن أيدولوجية «لا تبلى على كثرة الرد».. تفاعلت مع هذا الطرح وتفاءلت.. فلقد كنت طالعت مراجع حديثة في مجال التكنلوجيا فوجدتها جميعها تدعو لذات النهج «الاستعصام بالقيم» كهوية لا تتزعزع وكشرط للاستفادة من تقانة العصر في مواجهة ما يهدد البشرية اليوم ومن صنع أيديهم.. العلماء المجددون يروجون لأيدولوجية جديدة توحد العالم أمام الحاسوب - لا غيره.. وهل يكون إلا «نحن»؟.. إلا ما نضمر؟.. أيدولوجية أساسها القيم الإنسانية الجامعة التي جربت فعلاً وتداوى بها العالم المعافى- قيم الصدق، الحرية، الأمانة، الشفافية، والشجاعة والإقدام - مكنون الفطرة السليمة.. وهي قيم أنحازت لإدارة الحياة والبشر والموارد والأزمنة عبر المعنويات، أي عبر «مراعاة» إنسانية الإنسان الذي كرمه الله عز وجل. الدراسة مبنية على ذات هذه المنظومة من القيم المتداولة علمياً وعالمياً في المجتمعات المعافاة المستعصمة بنوازع الاستقامة، وتلخصها في مفردة واحدة ساحرة «الفطرة» - تلك التي فطر الله تعالى الناس عليها متمثلة في «استعداد كل إنسان للاهتداء إلى طريق الحق والاستقامة».. إن الفطرة متصلة بحقيقة الإنسان ولهذا لا ينالها التبديل، فالتبديل ينال ظاهر الإنسان وظاهر بيئته، أما حقيقته فلا.. قد يبدأ الإنسان حياته بمناصرة الباطل لكن فطرته لا تلبث أن تتمرد عليه وتتيقظ لمقاومة ما غشيها من الباطل - يا للبشرى «الفطرة السليمة» التي اختص الله بها الإنسان هي منصة انطلاق للبشريات داخله وتحتاج إلى من يعززها كمنهج..«إن أحداً لا يقدر على تبديل خلق الله، أي فطرته التي فطر عليها الناس».. ويعتمد البناء المعنوي لدى الإنسان على كرامته حتى يؤدي رسالته.. القرآن الكريم احتفى بالإنسان وأهله معنوياً في اتجاه ما فطره الله عليه.. العناية بالإنسان وفطرته السليمة هي الخلاص من الأزمات، ودليل الفطرة السليمة بين الناس هو وجود العدل قرين الحق، قال تعالى «فاحكم بين الناس بالحق». هكذا يحدثنا سعادة اللواء الدكتور عثمان محمد الأغبش يوسف في هذا السفر بعنوان «منهج القرآن الكريم في البناء المعنوي للإنسان»- 287 صفحة.. الخلاصة عنده أن منهج القرب من الله يعني الاستعصام بالفطرة السليمة التي تؤدي إلى الطمأنينة في الحياة والبركة في المعاش.. قربنا من الله يبعدنا عن الشبهات والفتن.. من مقتضيات البقاء على الفطرة السليمة أن يكون المجتمع آمناً مستقراً محافظاً على قيمه..لا تتحقق سيادة الإنسان على الكون إلا إذا أدركنا أن الله سبحانه وتعالى قد غرس في الإنسان المقومات الأساسية لهذه السيادة، وهي الحرية، الإرادة، الاستطاعة، الاستقامة. قائد ورع متخصص في رفع المعنويات كأساس لسيادة الإنسان على أرضه يذكرنا: «احفظ الله يحفظك».. حفظ الله بلادنا على فطرتها السليمة، ولتكن كرامة الإنسان السوداني ومعنوياته أولوية إستراتيجية للدولة ومؤسساتها وقد جربتها قواتنا النظامية.. وهذا يقتضي إعادة النظر في طريقة تعاملنا مع الجمهور بكل فئاته باعتباره سيد الموقف وصاحب القرار.. إن العالم كله يتقرب إليه اليوم لكسب رضائه برضا الله وبالعلم، بالمصداقية والجودة والتحسين المستمر، بدءاً بتحسين لغة الخطاب العام«تبسمك في وجه أخيك صدقة»..هذه دراسة علمية حافلة بالالهامات المعنوية للمتدبر في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة المعززة لإنسانية الإنسان وفطرته السليمة مصدر قوته في مواجهة جور الزمان..«قوة» الإنسان مسألة «معنويات»- تلك هي الخلاصة.. جربوا وسترون نتائج التعامل مع الجمهور بما يستحق شرعاً.. وذوقاً.