هوووووي ياكلتوم عليك الله ناوليني المفراكة دقيقة واحدة وارجعها ليك.. هكذا نادت فوزية جارتها بتلقائية مملوءة بالمحنة والبساطة، فردت عليها فوزية سمح يا بت أمي هاك ورجعيها لي مسافة البصلة تذوب مع اللحمة، وواصلت اها أصبحتو كيفنكم وخبر أبوكم شنو إن شاء الله جاكم منو مرسال، ومضت مسرعة لحال سبيلها دون أن تنتظر الإجابة هذه البساطة في التعامل مع الجيران وأبواب النفاج المنتشرة داخل الحوش الكبير، والمُطرقة بضم الميم لتأديب الوليدات، وشجرة النيمة البتحكي بلسان ضلها الممدود متكل علي الحيطة من زمان فات.. كل تلك الأشياء الجميلة تذكرها العم حسن، وهو ممدد على ذلك الكرسي الفخيم والبيت الكبير كالقصر، تتلألأ أضواؤه على أرضية البلاط كما النجوم على صفحة السماء، إلا أنه بالنسبة للعم حسن كالقبر، فبعد أن توفيت الحاجة فوزية زوجته وأم أولاده التسعة، وتزوجت البنات انتقل للسكن مع أصغر أبنائه وأحبهم إليه في خرطوم السجم- كما يسميه هو- وعلى الرغم من طيبة قلب زوجة ولده وبرها المطلق له، إلا أنه يشعر تجاهها بالكراهية لأنها انتزعت منه أحب أبنائه سرقت منه أحلى ذكريات ماضٍ جميل تحفه البركة من كل صوب.. فصارت الحياة بالنسبة له- رغم يسرها- عسراً، وكست ملامحه تجاعيد الكآبة بخطوط ساخرة رسمت مسخاً مشوهاً لماضٍ جميل، وظل يردد ليت الماضي يعود يوماً.