كثر الحديث عن الناشطين في مجال حقوق الإنسان بين قادح ومادح، لكن جل الحديث اتجه الى كون نشاط منظمات المجتمع المدني قد تحول الى سبيل استرزاق ومتاجرة بمعاناة الناس، للدرجة التي أصبحت فيها السخرية من عمل الناشطين في هذا المجال مدعاة للسخرية والتهكم، حتى كاد يرسخ في وعي البعض أن من الطبيعي أن لايكون الإنسان ناشطاً وأن يترك ملف حقوق الإنسان على قارعة الطريق، ولا يجرو أحد على الاقتراب منه حتى لا يتهم في أمانته، وما كنا سنعير الأمر اهتماماً لو أنه توقف عند دائرة (طق الحنك) في مجتمع أدمن المشافهة في التعاطي مع أخطر القضايا، التي يتوقف على حسمها مستقبل البلاد نفسها، ولكنه تعدي تلك الدائرة الى نوع من التوثيق عندما القى بالاتهامات سالفة الذكر في حق المجتمع المدني من يمكن أن نحسبهم في عداد الناشطين أنفسهم في مجال المجتمع المدني، حيث ذكر د/ الحاج حمد أحد قيادات المجتمع المدني لصحيفة الجريدة في وقت سابق بأن العمل في بعض المنظمات قد تحول الى تجارة، وقبل أن نفيق من هول المفاجأة إذا برجل في قامة د/ حيدر ابراهيم الرجل الذي سلخ عقوداً من عمره في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، وعمل على رأس منظمة مجتمع مدني لعبت دوراً مهماً في مجال الاستنارة هي مركز الدراسات السودانية، الذي أوقفته السلطات مع عدد من المنظمات الأخرى العام الماضي يقول على صفحات نفس صحيفة الجريدة بأنه أصبح لا يستسيغ كلمة ناشط، إذاً لا مفر من مناقشة الفكرة، نظراً لأهمية الدور الذي تلعبه، ويمكن أن تلعبه منظمات المجتمع المدني من خلال شغلها للحيز الواقع بين السلطة والمجتمع، دفاعاً عن حقوق بسطاء الناس السياسية المدنية والاقتصادية الاجتماعية والثقافية، في بلد عبرت فيه مسيرة الحكم صعوبات جمة، عرضت تلك الحقوق للانتقاص والانتهاك في مرات عديدة، الى جانب أن الاتهامات التي يواجهها الناشطون سواء أن صحت أو كانت تهدف الى تشويه سمعتهم كتوطئة لتوجيه ضربة أو ضربات قاصمة لتلك المنظمات لإحلال أخرى مكانها، فإن التصدي لها ضروري حماية للحقوق المشار اليها من ناحية، ولإحقاق الحق من الناحية الأخرى، وبدءاً نقول إن المجتمع المدني من حيث هو مجتمع كان لابد أن تجري عليه سنن المجتمع البشري كافة، من حيث وجود الصالح والطالح، هذا فوق أنه مجال للعمل الطوعي، ويعتمد على خبرات تحتاج للكثير من الصقل، والنقد الموجه إليه من هذه الزاوية مفهوم بهدف تحسين الاداء، ورفد مقدرات الجماهير بالمهارت اللازمة حتى تتصدى لقضاياها باقتدار، وفي هذا الصدد هناك نشاط ملموس لمنظمات المجتمع المدني، للدرجة التي نستطيع أن نقول معها إن جرد الحساب بأمانة سيوضح أن تلك المنظمات وبرغم الظروف التي مرت بها إلا أنها قدمت الكثير للجماهير التي عملت وسطها، ولذلك فإن الحديث عنها بهذه السلبية ليس بريئاً، وفيه أصابع تريد أن تقول إن الفساد متفشٍ حتى وسط الجماعات التي تطالب بالشفافية وتدافع عن وحقوق الإنسان، (يعني كلنا ولاد تسعة، ومافيش حد أحسن من حد)، وحتى لا تطلق الأحكام جزافاً ويؤخذ البريء بجناية المذنب، على الدولة أن تعمل سلطة القانون على كل من يحول مقدرات المجتمع المدني لمصلحته الشخصية، وتعلن ذلك على الملأ، وعلى الذين يملكون معلومات مؤكدة عن مخالفات بعينها أن يذكروها، ومن المؤسف أن مايتردد حتى الآن آراء وأحكام عامة تفتقر الى المعلومات الدقيقة والموثقة.