٭ الحصول على المعلومات في السودان يتطلب درجة عالية من (طولة البال)، فالمظان ليست في مستوى الثقة التي توحي بها اللافتة المرفوعة على بوابتها ، لأن الممارسة الفعلية للحياة بكل ضروبها تجري بعيداً عما يفترض فيه أن يكون مسرحها، لذلك فإن أفشل الساعين في درب الحقيقة في السودان هم من يطلبونها في المكان الذي يتوقعون وجودها فيه. ٭ لذلك على الصحافي أن يكون في حالة يقظة تامة وهو يتعامل مع مايسمونه بالصدفة، فقد تجد فيها من المعلومات المتعلقة بكيان في الدولة ما لا تضمه غرفة الإرشيف فيه، وفي واقع مثل هذا فإن المعلومات المهمة بل التي تكون في غاية الأهمية هى التي يظهر للوهلة الأولى أنها ليست ذات أهمية، لأن تاريخ البلاد نفسه عبارة عن تجميع لأشياء كانت في زمانها ليست على درجة من الأهمية، أو هكذا تعاملت معها الأجيال التي وقعت تحت بصرها، مثل التقارير التي وصلت إلى الذات الخديوية عن المهدي قبل أن يستفحل أمره، والتي تصف الرجل بأنه درويش في حالة إنجذاب سماوي، ليتضح لاحقاً أن خطر الرجل على أملاك الخديوي في السودان أكبر مما جاء في تلك التقارير، وحتى لا نغرق في التجريد دعوني أحكي لكم قصة غير مهمة، وتعالوا معاً نتامل مسيرتها وكيف سيستقر بها المقام في قلب الأحداث التي رسمت تاريخ البلاد في مرحلة تاريخية مهمة، ومع ذلك لن يعثر عليها أحد في مضابط الجهات المعنية ولو أنفق كل عمره في غرفة الارشيف، فقد أخبرني صحافي كبير في الخرطوم أن قانونياً ضليعاً أخبره بانه قد تعرف على ممارسات غير أخلاقية لشخصية قيادية في عهد مايو عن طريق قضية سعى بها صاحبها إلى مكتبه بعد انتفاضة مارس أبريل عام 1985، ورفض أن يقبلها لأنه شك في صحة المعلومات المتعلقة بها، وإن كان قد أخبر بها صديقه الذي عمل مع آخرين في تصفية جهاز مهم، و قد تعرف على متعلقات بالجريمة وجدها في مكتب المسؤول المشار إليه، القصة رغم عدم اهميتها لكننا سنعود إليها لاحقاً لنعرف مصدر الشائعة وعلاقاتها بصراع مراكز القوى في ذلك العهد، ولكن الآن دعونا نتامل شئياً آخر وهو أن الصحافة السودانية في عهد الديمقراطية الثالثة كانت قد نشرت اسماء كل المنتسبين لذلك الجهاز ، وأن جهة ما استطاعت ان تعبي كامل المجال السياسي بفكرة حل الجهاز حتى اعتبره البعض عملاً وطنياً خالصاً ، مع أن تلك الجهة أرادت ان تقدم الجهاز كبش فداء حتى تموت كل الأسرار وبعضها متعلق بأداء وفساد تلك الجهة، وقد كان لها ما أرادت لتنحصر آثار مايو التي كانت تصفيتها على رأس مطالب الجماهير الثائرة في أبريل في الجهاز المشار إليه وتنظيمات مايو الفئوية والإتحاد الاشتراكي، مع أن تلك الأجهزة ليست أكثر من رأس جبل الجليد الظاهر، وما خفي كان أعظم، بل هو مارسم ملامح المرحلة المقبلة، ألم أقل لكم إن القصة التافهة التي تتناقلها مجالس المدينة دائماً ما تكون على درجة كبيرة من الأهمية ، ومن لم يقتنع بهذه الفرضية رغم الذي قلناه فلينتظرنا في الحلقة القادمة ،،، .. ونواصل .