يمكنك القطع بسكين اليقين أن اهالى حلفا بعد قيام سد أسوان قد اضربوا عن تسمية ابنائهم بأي اسماء رئاسية، وان اسم عبود غاب تماماً وحتى هذه اللحظة من كشوفات المواليد فى حلفا القديمة والجديدة، ومن الواضح ان اسماء رئاسية وحزبية ستغيب ايضا من الكشوفات فى مناطق كثيرة ، طالما ان الحكومة عازمة على رص السدود على نهر النيل من عند حلفا وحتى العيكورة..! أحد اهالى حلفا القديمة ، قاده حظه الى التورط فى تسمية إبنه باسم رئاسي.. ذاك الحلفاوي دخل الازهر دارساً ،فاحتمل من ادبيات التشيُخ ما احتمل، حتى تخرَّج حاملاً الشهادة العالمية، ومعها جرثومة إعجاب بسيد قطب.. ومن فرط ذلك الاعجاب، اطلق على ابنه الأول إسم سيد قطب، «حتة واحدة»..! وفجاة، فارت الناصرية فى مصر، ودخلت فى عراكها مع الكيزان، فوجد الحلفاوي نفسه مضطراً إلى افتعال الموازنة بين إسم «سي سيد» ، و «سي جمال»، فاطلق على إبنه الثانى إسم جمال عبد الناصر «حتة واحدة»،، حتى يؤكد ولاءه لثورة يوليو.. عاد حلفا ، ومكث غير بعيد، فوقع الفريق عبود بانقلاب 17 نوفمبر، فاضطر إلى إثبات ميوله الوطنية فأطلق إسم عبود ،، على إبنه الثالث..!. وهكذا جمع الحلفاوي فى بيته، بين إسمين رئاسيين وإسم «علمي آخر»، ظناً منه أن الاسماء الرئاسية تساعده فى تسهيل الاجراءات.. لكن، سارت السياسة فى طريق، والتسهيلات المبتغاة فى طريق.. وقع الحلفاوي فى الفخ حين تعاهد عبد الناصر مع عبود على إغراق بناء السد العالي ، فوجد الرجل نفسه منبوذاً بين أهله المعارضين للتهجير، فاضطر الى الى إثبات ولاءه للأرض قائلاً لهم : « أنا ما إنديش أولاد، أنا إندي هوازيق».. أي خوازيق..! لكن أعاجم النوبة الذين لا يجاملون فى الثوابت، طالبوه بأن يطلب لدى قاضي المديرية ، تغيير تلك الأسماء الرئاسية.. فكتب طلباً بهذا المعنى رفضه القاضى وكان حلفاوياً بقوله: « الله يخرب بيتك ، إنت عاوز تخرب بيتي..!؟ مش ممكن تغير اسم عبود إلا إذا غيَّرت الحكومة،، و مش ح تقدر»..! وأضاف : « بس الأولاد لما دخلوا المدرسة، يبقى الموضوع دا سيك سيك معلق فيك.. و حتسجلهم باسمائهم الرئاسية فين..!؟ مش فى مدارس الحكومة برضو»..!؟ عاد الحلفاوي حيران أسِفا، فنصحه علماء النوبة بالتنقيب فى مطبوعات الازهر وفى المذاهب الاربعة، عله يجد نصاً فقهياً يجيز له تغيير الأسماء الرئاسية.. انهمك الحلفاوي باحثاً في المراجع الدينية عن نص فقهى يجيز تغيير اسماء أبنائه ، فلم يجد..فاضطر الى مخاطبة أهله وهو يحزم حقائبه نحو خشم القربة : مافيش نص يناسب للحال بتاعى دي غير : «ما بني على باتل فهو باتل»..! فى خشم القربة دخل أولاده المدارس.. فى الجامعة تم تجنيد إبنه سيد قطب فى التنظيم، « من مدخل إسمه العلمى طبعاً «..! كان الحلفاوي يرقب تهليلات وتكبيرات « سي سيد»، فيزجره متضجراً وناصحاً: يا إبنى، ما تسمعش كلام الزفت ده.. الرادي ده أكبر كداب»..! لم يستجب «سي سيد» للنصائح، وأخيرا قرر الزواج، وكان الزمان قد امتد بهما الى حقبة الانقاذ المفعمة بالسدود والحفريات..! اشترط الأب على إبنه ألا يطلق أي اسماء رئاسية على أحفاده، وإلا فلا زواج....! وافق «سي سيد»، لكنه، إلتزاماً بالمشروع الحضاري، تحايل على شرط أبيه، فسمى إبنته :»تأصيل»..! لم يلتقط الحلفاوي الاشارة إلا بعد السماية.. فجاء بغضب مطالباً بتغيير اسم حفيدته.. : «انا زمان سمعت كلام الرادي ووقعت فى «هازوق».. تجي انت بعد اربعين سنة تصدق كلام التلفزيون»..!؟ ولم يفلح الحلفاوي فى تغيير إسم حفيدته، رغم محاججاته بأن :»ما بُنِي على باتل، فهو باتل»..!