مدخل أول: سألت الناس ايناساً.. يؤانس مؤنساً اسي.. يواسي الأسى تأنيساً.. مساس الحس إحساسي.. وهل تدري المقادير مذاق الهجر من كأس.. نظمت الشعر تقريباً.. جنيت البعد عن ناسي.. ذهبت اعاود السلوى.. رجعت الشيب في رأسي.. سماء الغربة أفجعني سنين البعد أنفاسي.. رأيت الوجد يفزعني.. وأرق الليل يحرمني.. يدور البؤس من بأسي! بدأت اناغم الآمال.. بدأت اسابق الأحلام.. وانثرها على الشارع.. بدأت اطالع الواقع... وجدت القلب مشدوهاً يلازمني بلا وازع.. لأني ملهمُ أضني.. لأني صادق المعنى.. وصدق القول للسامع.. سألت الناس في ولهٍ.. انا المحروم في بعدي فكيف أغامر الطامع.. وكيف النفس تسعدني.. يطل الفجر يغمرني.. وحين الشمس تبهرني.. وضوء الصبح يفرحني.. أكاد أناشد الظلمة تزاور منتهى القسوة.. لعل قلوبنا تهوى جميعاً صدق إحساسي.. فهل نأنس بتغريدة تحل الوعد بالعودة ونظفر بجمال الود.. هنا قمحة.. هنا وردة.. مدخل ثانٍ: حين تسطع شمس أشواقي على بلد الاعتراف الإنساني.. حين ابكي وسط قومي ورفاقي.. اي عزٍ افضل غير بلادي.. حين تبدو ملامح الحزن في قيود الاغتراب.. تظهر الدنيا ضياع.. كل نفس في التياع.. وهجران الأرض والأحبة.. دوماً في مناجاة.. أنها الأوجاع.. أنها الآلام حملاً لا يطاق.. أنها الأكذوبة في زمن السباق.. هذا جزء من عيون رأيتها في رهق تبحث عن عناق.. هي في قلب المسافات البعيدة تذرف الدمع اتباع.. كم دموع بللت خد الأماسي.. كم عيون لازمت ليلها سهر طويل.. من غير وعد بالتعازي. حين تسطع الشمس أذناً بالشروق.. وقبل أن يأتي عنوان الغروب.. تتزاحم الآفاق للنظر البعيد.. وحين ينفجر الفؤاد مع الأنين أبدو وحيد تلك الأماسي المضنيات في بلاد الهجر والشوق الشديد.. حين تبدو الغربة في وجه الرجال.. هل رأينا قلوبهم في وضع خجول أم سألنا الغربة قبل أن يأتي السؤال..؟! حين يبدو في عيون القادمين على أرض المطار.. عندها كل شيء يوحي بلهف الوصال.. ما أعظم الوطن الجميل يغازل أسراب الطيور النائرات قد عزمنا العود تشريفاً لحال.. مدخل ثالث: أقلب صفحات السنين.. أنادي أوراق الشباب.. هل ما مضى من عمرنا.. قد زاره بهج الغرور.. أم كان شيئاً من ضباب.. هل كان شوقاً للأماني أم رجاءٌ في اغتراب.. هل بنينا في دواخلنا الأواصر.. أم نزعنا الحب وانهينا الخطاب.. لست من عشق المسافات البعيدة.. بل كان لصق من عذاب؟ قد عدنا في العقد الأخير.. ولمسنا العمر أقرب للرحيل.. رغم ابتسامات الأماني.. قد فاتنا فيض كثير.. من ضمن عافية الزمن.. أن نحكي للجيل النضير.. من كان يرجو حلمه.. اليوم عدنا للوطن والنيل والبيت الكبير.. للأم والطفل الصغير.. لشيخنا والوالد المشتاق في وسط الهجير.. دوماً يهاتفنا صباح.. متى اللقاء متى الرجوع.. فنحس في نبراته رفق الدموع.. وشهيق أنفاس الحنان يأتي زفيراً في الحنايا ليمر في وسط الضلوع متى اللقاء.. عند المساء تبدو دواخلنا نداء.. والطير في الوكر القديم سمع الدعاء.. رفض السفر والهجرة في الزمن الجميل كانت أماني على الطريق.. من فوق أشرعة توارت.. بسم الصباح ينادي للجميع.. من غير وعدٍ بالخطر.. هذا الزمن يحتاج للحب الكبير.. لنعمر الوطن المعطر بالتآلف من زمان كان منهجه البقاء.. وكل ما كان اعترافاً بات أكبر بالضياء. مدخل أخير: هكذا هي الغربة التي رسمت خطوطها العريضة في السنوات الأخيرة.. وكانت بمثابة التحدي على منافذ الأجيال.. هي الآن في ميزان الوقت المعاش «أحلام وردية».. تطلعات وتحديات فهي متدفقة في كل الأصعدة.. وفي كل الزوايا نداءات تخفق في الحنايا وترسم الف مشهد.. ورجاءات تنادي لحلم منتظر على شواطيء الأمنيات وشباب ما بين العقد الثاني والثالث يتوافدون الى مواقع الهجرة ويتنادون سوياً من فوق أسورة الاصلاح لعلهم يجدون ضالتهم ويحققون الأماني السراع، ويضيئون شمعة الطموح عند منضدة التلاقي وعلى وجه القمر في وطن أخلص بشمسه الدافئة. إن الهجرة هي حالة تمرد لواقع معاش، يتسابق صاحبه عليه تطلعاً على تعديل أرصفة حياته ليجعلها قادرة على تطويع معاناة الحياة وجعلها حالة «ابتسامية» تخرجه من دائرة الصمت والاشفاق والخوف من المستقبل. إذاً ثوابت الهجرة لها ما فيها.. فجعلتني أقول في محورها ما هو مفقود من الأنس والايناس في وحشة الاغتراب الطويل، فأنا أعرف جيداً أن قلوبنا وقلوب أولادنا هم فينا بما هم علينا.. وبل أدرك جيداً من عادوا وفي عيونهم حكايات الاشتياق نعم أنها هجرة الزمن الحديث التي يسابقها الوجد لأنها حالة يلازمها التنادي الدائم.. أعرف جيداً أن الهجرة هي بحث لاسعاد الآخرين فادركت جيداً أنها تحقيق حلم.. نحن رائعون في كل الأزمنة.. فكانت مداخلي الثلاثة ترجمة لمستها في عيون هؤلاء.. وربما انتظر تلك الأمزجة في سماء الخرطوم الشامل..