والعالم يحتفل باليوم العالمي النوبي (7\7) تعالوا نقرأ في عجالة كتاب قديم يحمل الدواء الى الذين يئنون من العنصرية وألقاب (العبد) القاسية: *** صدر هذا الكتاب عام 1957 م للكاتب النوبي إبراهيم أحمد إبراهيم المحامي، قبل سبع سنوات من تهجير النوبيين وكان للمؤلف كتيب سابق بعنوان «السد العالي».. مؤلف الكتاب من قرية دبيرة (شمال وادي حلفا) من القرى المهجرة الآن في حلفا الجديدة. تخرج من الجامعات المصرية عام 1953 م وعمل محامياً عام 1956م. *** من عناوين هذا الكتيب: أطياف الماضي اتفاقية عام 1898 نذير شوام البرابرة أقلية مضطهدة من مصر تاريخ النوبيين في القصر وكفاح المثقفين مآسي صراع من أجل الحياة تشرد وفي السودان النوبيين أقلية في السودان ولكنهم يتمتعون بحقوق كاملة رسالة إلى جمال عبد الناصر.. *** يقول عن كتابه: إنه كتاب زاخر بالمعاني والأحاسيس والذكريات، تفجرت كلها مرة واحدة مع فيض من الآلام والأماني عندما وجد متنفساً في هذا القلم. *** هذا الكتاب في مجمله يستهدف الصهر القومي و يوحي بالاعتماد على الثقافات المحلية وأول خطوة يجب أن تكون بالاهتمام بنبش التاريخ.. ويضع الحضارة النوبية في المقدمة باعتبارها: ثقافة محلية أصلية خالية من العقد السياسية والعرقية ولا ولاء خارجي كالقبائل العربية ولا أحقاد تاريخية كالجنوبيين. *** في هذا الكتاب رسالة غالية لأولئك الذين يعانون عنصرية اللون في السودان.. ضحايا الألقاب القاسية مثل: لقب العبيد. وهم من فئة السودانيين الأكثر سوادا في البشرة ويعبر عنهم اليوم مثقفو غرب السودان والجنوب الجديد.. خلاصة هذه الرسالة تقول التباكي واستدرار العطف ومن ثم الهروب من أهالينا ولغتنا وثقافتنا لن يجدي.. لأن اللون الأسود لم يكن مرغوباً حتى في الغرب الأوربي ونسمع يومياً ماذا يحدث للسود في أمريكا.. هذا الكتاب نقل أولاً صوراً حية للاضطهاد ثم قدم العلاج استنادا على ما فعله النوبيون في المجتمع المصري.. أولاً: تركوا المصريين في عنصريتهم دون أن يهتموا.. ثانياً: تعلقوا بثقافتهم وتراثهم حتى أنهم سموا أحياء في الإسكندرية والقاهرة بأسماء قراهم. ثالثاً: وزعوا أنفسهم في مجتمعات وأقاموا عشرات النوادي بأسماء النوبيين. رابعاً: اهتموا بالتعليم في العاصمة المصرية وفي القرى. خامساً: سيطروا على مراكز القرار وقد بلغوا إقامة الحكومات في قصر عابدين. *** يحكي كثيراً من قصص الاضطهاد والعنصرية في المجتمع المصري بدون عقد ولاحتى إدانة واضحة للمصريين وهو يفتح الجرح النوبي في مصر والسودان من خلال مناقشة: الاضطهاد الاجتماعي. الجهل والفقر. الظلم السياسي. - معالجات نوبية. ** سألوا سيدة مصرية من أسرة عريقة كانت مولعة باستخدام النوبيين في قصرها: لماذا اخترت النوبيين؟ قالت «على سبيل التسلية لأن شكلهم (أنتيكي أوي!).. *** يحكي أنه دخل إحدى الأزقة.. وعلى الفور هرول نحوه عدد من الأطفال المصريين يصيحون: «على باب حارتنا إيش جاب البربري» يقول: عندما استنجد بشرطي مصري «نظر الشرطي في وجهي ملياً وقال: طيب ما أنت بربري.. إنت زعلان ليه »!! *** يفتح الجروح النوبية من خلال: البحث في الجهل والفقر والاضطهاد والظلم السياسي، ولكن لا يصرخ طلباً للنجدة من أوربا والأمم المتحدة ولا يبكي من ويلات الاضطهاد العنصرى والتهميش في مصر كما يحدث الآن لدى مثقفي (الغرب والجنوب) وهم يقاومون مصطلحات قاسية مثل لقب (عبيد) بل يشرح كيف قاوم النوبيون المجتمع المصري وكيف اخترقوا القصور حتى كانوا يقيمون الحكومات ويسقطونها في قصر عابدين وبهذا أصبح النوبي (محسوداً) وقد كان بالأمس (عبداً)!! وبهذا لا يكتفي بتنظيف الجرح وتقديم الدرس بل يضع الضمادة عليه!! *** يبدأ بغضبة عارمة على النوبيين لأنهم يطمسون عيونهم بأيديهم بسرقة المقابر التاريخية وبتحسر يقول:«تاريخنا وثقافتنا وكياننا، كل هذا مدفون في تلك القبور والمعابد.» بعد إثبات مسؤولية النوبيين في تخريب تاريخهم يقول إن الحكومات التي مرت من عهد الأتراك حتى الآن (1957) لم يقدموا شيئاً. فالأتراك لم يهتموا من أمر السودان سوى نهب الأموال وخطف العبيد؛ والمهدي لم يعمر طويلاً للتفكير في شؤون البلاد الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.. أما الإنجليز فقد وجهوا برامج التعليم إلى التاريخ العربي القديم (وكان الهدف من ذلك هو إفهام جماهير السودانيين أنهم عرب نازحون من البلاد العربية وبالتالي غرباء عن هذه البلاد مثلهم، وبالتالي ليست لهم حقوق بالمطالبة بالاستقلال)! ويذهب الإنجليز في الوقت نفسه إلى الجنوبيين ويقولون لهم إن العرب الأجانب دخلوا السودان لتجارة الرقيق والنتيجة كانت الدماء التي أريقت في تمرد 1955م !! *** الحلول والصهر القومي : يطالب بنبش التاريخ النوبي القديم لتعرف الأجيال أن تاريخها تاريخ السودان وليس تاريخ العرب وأن تدرس ثقافة محلية نابعة (من هذه الديار التي نعيش فيها). فكأنما يطالب ببعث قومية سودانية جديدة ببرنامج تربوي يعتمد على الثقافة المحلية تكون المجموعة النوبية رأس الرمح فيها باعتبارها من أعرق الحضارات التي يمتد عمرها لآلاف السنين.. ويعتبر أن الإنجليز لم يعتمدوا على الثقافة النوبية باعتبارها بوتقة جيدة للانصهار وبدلاً عن ذلك روجوا للعربية وحرضوا الجنوبيين ليظل الصراع مشتعلاً ويسخر من الذين ينادون بالسودان الموحد دون جهد في صهر القوميات المحلية وترك بعض القوميات المحلية مسيطرة بحجة عدم تفتيت السودان. *** هذه الأطروحات التي قدمها عام 1957 نستطيع أن نقرأها الآن بعد مرور نصف قرن بسهولة شديدة. أقرأ هذه التحذيرات وتأمل الذي يحدث في الجنوب الجديد بعد أن انفصل الجنوب القديم. أقرأه يقول: (فما دامت واحدة من هذه القوميات ترى نفسها مهضومة الحقوق فلا أمل في خلق القومية السودانية الجديدة على أسس من المودة والإخاء ولينتظر المسؤولون ثورات وثورات للمطالبة بالاعتراف بحق تقرير المصير منبعثة من داخل السودان). *** لم يعش مؤلف هذا الكتاب ليرى مراحل مشكلة الجنوب ولا ثورة البجا ولا أزمة دارفور، ولا حتى الهجرة النوبية، ولا محاولات الإسلام السياسي للتضييق على الثقافات المحلية باسم الدين، ثم عروبة (عرقية) لاجذور لها، ولكنه كان ثاقب البصيرة سبق الأحداث بنصف قرن !! **** ... ونواصل الاحتفال باليوم النوبي العالمي بشيء من حكايات ذاكرة القرية..